للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد فعل أبو شجاع فناخسرو قريباً من هذا بأبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي، وذلك أنه كان كاتب بختيار بن معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي، وبين أبي شجاع وبين بختيار منافسة بالرياسة، فلما خلع الفضل بن جعفر وهو المطيع لله، وأقيم ابنه أبو بكر عبد الكريم الطائع لله سنة أربع وستين وثلاثمائة استولى على جميع أموره فناخسرو، وصار إليه تدبير المملكة، وليس للخليفة سوى الاسم، وقتل بختيار ومحي أمره، فأحضر أبو شجاع عضد الدولة أبا إسحاق. وقال: قد علمت ما كنت تعاملني به من قبيح المكاتبة، وقد أحفظني ذلك ودعاني إلى قتلك، فرأيت قتلك من الفساد في الأرض إذ كنت مقدماً في صناعتك، ولكن لا تعمل لي عملاً، واستصفى أمواله وحبسه، وولى ديوان الإنشاء مكانه أبا منصور بن المرزبان الشيرازي، وكان غايةً في البلاغة والفصاحة وحسن آلات الكتابة.

[الصابي في حبسه]

وكتب أبو إسحاق من الحبس إلى بعض إخوانه: نحن في الصحبة كالنسرين لكني واقع، وأنت طائر، وعلى الطائر أن يغشى ويراجع.

وزاره أبو الفرج الببغاء الشاعر زورة ثم قطعه، فكتب إليه:

أبا الفرج اسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدهر حظّاً إذا نقص

مضت مدة أستام ودك غالياً ... فأرخصته والبيع غالٍ ومرتخص

وآنستني في محبسي بزيارةٍ ... شفت قرماً من صاحبٍ لك قد خلص

ولكنّها كانت كحسوة طائرٍ ... فواقاً كما يستفرض السادة الفرص

وأحسبك استوحشت من ضيق محبسي ... وعادك عيد من تذكّرك القفص

من المنسر الأشفى ومن حزّة المدى ... ومن بندق الرامي ومن قصّة المقص

ومن صعدة فيها من الدّبق لهذم ... لفرسانكم عند الطعان بها قعص

فهذي دواهي الطير، وقّيت شرّها ... إذا الدهر من أحداثه جرّع الغصص

فأجابه أبو الفرج:

أيا ماجداً قد يمّم المجد ما نكص ... وبدر تمام مذ تكامل ما نقص

ستخلص من هذا السّرار وأيّما ... هلال توارى في السرار فما خلص

بدولة تاج الملّة الملك الذي ... له في أعالي قبّة المشتري خصص

تقنّصت أنصافي وما كنت قبل ذا ... أظنّ بأنّ المرء بالبرّ يقتنص

وبعد فلا أخشى تقنّص جارح ... وقلبك لي وكرٌ ورأيك لي قفص

[من شعر الصابئ]

وقال أبو إسحاق الصابىء:

جملة الإنسان جيفه ... وهيولاه سخيفه

فلماذا ليت شعري ... قيل للنفس الشريفه

إنما ذلك فيه ... قدرة الله اللطيفه

وقال:

وأحقّ من نكسته ... بالصفع من درجاته

من مجده من غيره ... وسفاله من ذاته

[من النقد]

أخذه من سقراط، وقد مر به بعض الملوك فركله برجله. وقال: قم! فقام غير مرتاع منه ولا ملتفت إليه. فقال الملك: أما عرفتني؟ قال: لا! ولكن أرى فيك طبع الكلاب فهي تركل بأرجلها، فغضب، وقال: أتقول لي هذا وأنت عبدي. فقال: لا! بل أنت عبدي. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن شهواتك ملكتك وأنا ملكتها. قال: فإني الملك ابن الأملاق السادة، ولنا كذا وكذا ألف فيل، وكذا وكذا ألف مركوب، وأقبل يعدد عليه ما يملكه من العروض والجواهر والعقار. فقال: أراك تفخر علي بما ليس من جنسك، وإنما سبيلك أن تفخر علي بنفسك، ولكن تعالى نخلع ثيابنا ونلبس جميعاً ثوباً من ماء في هذا اليم ونتكلم، فحينئذ يتبين الفاضل من المفضول؛ فانصرف خجلاً.

[الصابي وعضد الدولة]

وأهدى الصابىء إلى عضد الدولة في يوم مهرجان اصطرلاباً بقدر الدرهم، وكتب معه، وكان حينئذ معتقلاً:

أهدى إليك بنو الحاجات واحتشدوا ... في مهرجانٍ جديدٍ أنت تبليه

لكنّ عبدك إبراهيم حين رأى ... سموّ قدرك عن شيءٍ يساميه

لم يرض بالأرض يهديها إليك فقد ... أهدى لك الفلك الأعلى بما فيه

فرضي عنه وأخرجه من السجن.

وقال الصابىء لأبي القاسم إسماعيل بن عباد الصاحب:

الله حسبي فيك من كلّ ما ... يعوّذ العبد به المولى

<<  <   >  >>