للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر بحضرة ابن أبي عتيق شعر عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزومي؛ فقال رجل من ولد خالد بن العاص: صاحبنا أشعر يعني الحارث فقال ابن أبي عتيق: بعض قولك يابن أخي! فلشعر ابن أبي ربيعة لوطةٌ بالقلب، وعلق بالنفس، ودرك للحاجة، ليس لشعر الحارث، وما عصير الله قط بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة، فخذ عني ما أصف لك: أشعر قريش من رق معناه، ولطف مدخله، وسهل مخرجه، وتعطفت حواشيه، وأنارت معانيه، وأعرب عن صاحبه. فقال الذي من ولد خالد بن العاص: صاحبنا يقول:

إنّي وما نحروا غداة منىً ... عند الجمار تؤودها العقل

لو بدّلت أعلى منازلها ... سفلاً وأصبح سفلها يعلو

فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيردّه الإقواء والمحل

لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل

فقال ابن أبي عتيق: يابن أخي، استر على صاحبك، ولا تشاهد المحاضر بمثل هذا؛ أما تطير عليها الحارث، حين قلب ربعها، فجعل عاليه سافله؛ ما بقي عليه إلا أن يسأل الله حجارةً من سجيل وعذاباً أليماً. ابن أبي ربيعة كان أحسن للربع مخاطبةً وأجمل مصاحبة حيث يقول:

سائلاً الربع بالبليّ وقولاً ... هجت شوقاً لنا الغداة طويلا

أين أهلٌ حلّوك إذ أنت مسرو ... رٌ بهم آهلٌ أراك جميلا

قال ساروا وأمعنوا واستقلّوا ... وبكرهي لو استطعت سبيلا

سئمونا وما سئمت مقاماً ... واستحبّوا دماثةً وسهولا

وإنما أخذ الحارث قوله: لعرفت مغناها بما احتملت ... البيت من قول امرىء القيس.

قال علي بن الصباح وراق أبي محلم: قال لي أبو محلم: أتعرف لامرىء القيس أبياتاً سينية قالها عند موته في قروحه والحلة المسمومة، غير القصيدة التي أولها:

ألمّا على الربع القديم بعسعسا ... كأني أنادي أو أكلّم أخرسا

فقلت: لا أعرف غيرها. فقال: أنشدني جماعة من الرواة، وأنشد أبياتاً أولها:

لمن طلل درست آيه ... وغيّره سالف الأحرس

تنكّره العين من حادثٍ ... ويعرفه شغف الأنفس

[حديث الأطلال والدمن]

وأخذه طريح بن إسماعيل الثقفي فقال وأحسن:

تستخبر الدّمن القفار ولم تكن ... لتردّ أخباراً على مستخبر

فأخذه أبو نواس، إلا أنه قلبه فجعل الإنكار للقلب فقال:

ألا لا أرى مثلي امترى اليوم في رسم ... تعرّفه عيني ويلفظه وهمي

أتت صور الأشياء بيني وبينه ... فظنّي كلا ظنّ وعلمي كلا علم

قال ولو قال: تنكره عينين ويعرفه وهمي، لكان كالأول وكان أجود فلعل أبا نواس قصد الخلاف وأعجبه قوله: ويلفظه وهمي؛ لأنها لفظة جرت ملحيةً.

وقد ملح الحسن بن وهب في هذا المعنى إلا أنه ألم به وأجمله ولم يذكر القلب فقال:

أبليت جسمي من بعد جدّته ... فما تكاد العيون تبصره

كأنّه رسم منزلٍ خلقٍ ... تعرفه العين ثم تنكره

وزعم يحيى بن منصور الذهلي أنه يعرف معهد أحبابه بقلبه ويكتمه عينه فقال:

أما يستفيق القلب إلاّ انبرى له ... تذكّر طيفٍ من سعاد ومربع

أُخادع عن عرفانه العين إنه ... متى تعرف الأطلال عيني تدمع

وقال غيره:

هي الدار التي تعر ... ف أم لا تعرف الدارا

ترى منها لأحباب ... ك أعلاماً وآثارا

فيبدي القلب عرفاناً ... وتبدي العين إنكارا

[من التقعير]

وحصلت لأبي علقمة النحوي علة، فدخل عليه أعين الطبيب يعوده. فقال: ما تجد؟ قال: أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة، فأصابني وجع ما بين الوابلة إلى دأية العنق، فما زال يزيد وينمى حتى خالط الخلب والشراسف، فما ترى؟ قال: خذ خربقاً وسلفقاً وشبرقاً فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه.

فقال: ما تقول؟ فقال: وصفت لي من الداء ما لا أعرف، فوصلت لك من الدواء ما لا تعرف. قال: ويحك فما أفهمتني. قال: لعن الله اقلنا إفهاماً لصاحبه.

من نوادر النحويين

<<  <   >  >>