للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كمهيئين من الطعام أصبحا ... شبهاً من الأبرار والفجّار

روس وأرغفة ضخام فخمة ... قد أخرجت من جاحم فوّار

كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار

ومن تشابيهه العقم:

ما أنس لا أنس خبّازاً مررت به ... يدحو الرقاقة وشك اللّمع بالبصر

ما بين رؤيتها في كفّه كرةً ... وبين رؤيته قوراء كالقمر

إلاّ بمقدار ما تنداح دائرةٌ ... في صحفة الماء يرمى فيه بالحجر

وكان ابن الرومي منهوماً في المآكل وهي التي قتلته، وكان معجباً بالسمك، فوعده أبو العباس المرثدي أن يبعث إليه كل يوم بوظيفة لا يقطعها، فبعث إليه منه يوم سبت ثم قطعه، فكتب إليه:

ما لحيتاننا جفتنا وأنّى ... أخلف الزائرون منتظريهم

جاء في السبت زورهم فأتينا ... من حفاظٍ عليه ما يكفيهم

وجعلناه يوم عيد عظيمٍ ... فكأنّا اليهود أو نحكيهم

وأرهم مصمّمين على الهج ... ر فلم يسخطون من يرضيهم

قد سبتنا فما أتتنا وكانوا ... يوم لا يسبتون لا تأتيهم

فاتصل ذلك بالناجم فكتب إليه:

أبا حسنٍ أنت من لا تزا ... ل يحمد في الفضل رجحانه

فكم تحسن الظنّ بالمرثديّ ... وقد قلّل الله إحسانه

ألم تدر أن الفتى كالسراب م ... إذا وعد الخير إخوانه

وبحر السراب يفوت الطلوب م ... فقل في طلابك حيتانه

وخرج ابن الرومي مع بعض إخوانه في حداثته إلى بعض المتنزهات، وقصدوا كرماً رازقياً، فشربوا هناك عامة يومهم، وكانوا يتهمونه في الشعر. فقالوا: إن كان ما تنشدنا لك فقل في هذا شيئاً. فقال: لا تريموا حتى أقول، ثم أنشد بديهاً:

ورازقيّ مخطف الخصور ... كأنّه مخازن البلّور

قد ضمّنت مسكاً إلى الشطور ... وفي الأعالي ماء وردٍ جوري

لم يبق من وهج الحرور ... إلاّ ضياء في ظروف نور

لو أنه يبقى على الدهور ... قرّط آذان الحسان الحور

بلا مزيد وبلا شذور ... له مذاق العسل المشور

وبرد مسّ الخصر المقرور ... ونكهة المسك مع الكافور

ورقة الماء على الصدور ... باكرته والطير في الوكور

بفتيةٍ من ولد المنصور ... أملأُ للعين من البدور

حتى أتينا خيمة الناطور ... قبل ارتفاع الشمس للذرور

فانحطّ كالطاوي من الصقور ... بطاعة الراغب لا المقهور

والحرّ عبد الحلب المشطور ... حتى أتانا بضروع حور

مملوءة من عسلٍ محصور ... والطّلّ مثل اللؤلؤ المنثور

ينساب مثل الحية المذعور ... بين سماطي شجرٍ مسطور

ناهيك للعنقود من ظهور ... فنيلت الأوطار في سرور

وكل ما يقضى من الأمور ... تعلّةٌ من يومنا المنظور

ومتعةٌ من متع الغرور

[استوت بديهته وفكرته]

قال الناجم: جلست معه على باب داره وقد أبل من علة، فمر بنا الحاجب، فقال: قوما عندي نتحدث اليوم، وعندي مصوص وأشياء لطيفة لا تضرك؛ وأشرب مع أبي عثمان بحضرتك ونتآنس يومنا.

فقال: إنا نأتيك الساعة وأبو عثمان فامض ونحن في أثرك؛ فمضى ولحقناه فحجب عنا، فانصرفنا وأبو الحسن مغضب، فدخلت على أبي الحسن في ذلك اليوم، فوجدت بين يديه قصيدة طويلة جداً أولها:

نجذاك يابن الحاجب الحاجب ... وأين ينجو منّي الهارب

فعجبت من سرعة عمله. وقلت: أعزك الله؛ متى عملتها؟ قال: الساعة. قلت: وأين مسودتها؟ قال: هي هذه. قلت: وما فيها حرف مصلح. قال: قد استوت بديهتي وفكرتي، فما أعمل شيئاً فأكاد أصلحه.

سبب موته

<<  <   >  >>