للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس بما ملكت كفّه ... من البحر في وجوده يعدل

يداه الحيا في حفوف الثرى ... وطعنته في الوغى الفيصل

إذا ذكر الناس أهل النّدى ... بأسمائهم فاسمه الأوّل

محمد أنت الذي إن سمو ... ت ذي المعمّ لك المخول

يذمّك كبش الوغى في الوغى ... ويحمدك الرمح والمنصل

[أعجزتك القافية!]

وذكر أن هاشمياً قال لعمر بن أبي ربيعة: لولا بغضكم لنا يا بني مخزوم ما قلت:

بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفلٍ ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم

فقدمت علينا بني نوفل وبني أمية؛ فتوهمه ابن أبي ربيعة عاقلاً، فقال: لا بأس بتقديم المفضول على الفاضل في اللفظ، قال حسان بن ثابت:

وما زال في السادات من آل هاشم ... مكارم صدقٍ لا تعدّ ومفخر

بهاليل منهم جعفر وابن أمّه ... عليٌّ ومنهم أحمد المتخيّر

وأيضاً فالشعر على الميم، فلم يمكن في القافية، إلا ما قلت لك. قال: فأعجزتك الحيلة؟ قال: وكيف أحتال؟ قال تقول:

بعيدة مهوى القرط إمّا لهاشم ... أبوها وإمّا عبد شمس ونوفل ميم

فضحك وقال: وهنا لقد عجزت عن هذا.

[نقد لشعر امرىء القيس]

ومن عجيب ما يتعلق بهذا الباب إنه وصل إلى حضرة سيف الدولة رجل من أهل بغداد يعرف بالمبحث، وكان ينقر على العلماء والشعراء بما لم يدفعه الخصم ولا ينكره الوهم، فتلقاه سيف الدولة باليمين؛ وأعجب به إعجاباً شديداً؛ فقال يوماً: أخطأ امرؤ القيس في قوله:

كأني لم أركب جواداً للذّة ... ولم أتبطّن كاعباً ذات خلخال

ولم أسبأ الزّقّ الرويّ ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّةً بعد إجفال

وهذا معدول عن وجهه لا شك فيه. فقيل: وكيف ذلك؟ قال: إنما سبيله أن يقول:

كأني لم أركب جواداً ولم أقل ... لخيلي كرّي كرةً بعد إجفال

ولم أسبأ الزقّ الرويّ للذة ... ولم أتبطّن كاعباً ذات خلخال

فيقترن ذكر الخيل بما يشاكلها في البيت كله، ويقترن ذكر الشرب واللهو بالنساء. ويكون قوله: للذة في الشرب أطبع منه في الركوب.

فبهت الحاضرون، واهتز سيف الدولة، وقال؛ هذا التهدي وحق أبي! فقال بعض الحاضرين من العلماء للمبحث: أنت أخطأت وطعنت على القرآن إن كنت تعمدت؟ فقال سيف الدولة: وكيف ذلك؟ فقال: قال الله تبارك وتعالى: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. وعلى قياسه يجب أن يكون: إن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ، ولا تعرى فيها ولا تضحى. وإنما عطفه امرؤ القيس بالواو التي لا توجب تعقيباً، ولا ترتب ترتيباً؛ فخجل وانقطع.

[في مجلس الوليد]

وقال خالد: قدمت على الولد بن يزيد في مجلس ناهيك من مجلس، فألفيته على سريره وبين يديه معبد. ومالك بن أبي السمح، وابن عائشة، وأبو كامل عذيل الدمشقي؛ ومالك بن أبي السمح، وابن عائشة، وأبو كامل عذيل الدمشقي؛ فجعلوا يغنون حتى بلغت النوبة إلي فغنيت:

سرى همّي وهمّ المرء يسري ... وغاب النجم إلاّ قيد فتر

أُراقب في المجرة كلّ نجمٍ ... تعرّض أو على البحرات يجري

بهمٍّ ما أزال به قريناً ... كأنّ القلب أبطن حرّ جمر

على بكر أخي فارقت بكراً ... وأيّ العيش يحسن بعد بكر

فقال: أعد يا صاح، فأعدت. فقال: من يقوله؟ قلت: عروة بن أذينة الليثي. فقال: وأي العيش يصلح بعد بكر؟ هذا الذي نحن فيه، والله لقد تحجر واسعاً على رغم أنفه.

وأنشدت سكينة بنت الحسين رضوان الله عنهما هذا الشعر؛ فقالت: ومن بكر؟ فوصف لها. فقالت: ذاك الأسود الذي كان يمر بنا، والله لقد طاب كل شيء بعده حتى الخبر والزيت!

السماع وما ينبغي له من الشعر

<<  <   >  >>