للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي أنشده سيبويه: ومن أجل، والجال والجول: الناحية. والطوي: البئر. يريد رماني بما عاد عليه ضره وشره، كمن يرمي من بئر فيعود رميه عليه. فانظر إلى هذا المعنى كيف أخذه عبادة المخنث لما نكب المتوكل محمد بن عبد الملك الزيات ورماه في تنور كان ابن الزيات اتخذه لابن أسباط المصري، وجعله كله مسامير، فإذا وقف الواقف لم يقدر يتحرك إلى ناحية إلا ضربته المسامير، فلا يزال قائماً حتى يموت. فاطلع عليه عبادة المخنث فقال له: أردت أن تخبز في هذا التنور، فخبزت فيه، فضحك المتوكل. فقال عبادة: هذا يا أمير المؤمنين مثل رجل كان حفاراً للقبور مات، فمرت به واحدة من أصحابنا فقالت: أما علمت أنه من حفر لأخيه حفرةً يسقط فيها.

[الظريف من الخطاب يخلص من الهلاك]

وكم ظريفة من الخطاب، ومليحة من الجواب، خلصت من الهلاك، من نصبت له الأشراك، وسلمت من الحتوف، من أصلتت له السيوف.

قال الأصمعي: خرج الحجاج متصيداً، فوقف على أعرابي يرعى إبلاً وقد انقطع عن أصحابه، فقال: يا أعرابي، كيف سيرة أميركم الحجاج؟ فقال الأعرابي: غشوم ظلوم لا حياه الله ولا بياه. قال الحجاج: فلو شكوتموه إلى أمير المؤمنين؟ فقال الأعرابي: هو أظلم منه وأغشم، عليه لعنة الله! قال: فبينا هو كذلك إذ أحاطت به جنوده، فأومأ إلى الأعرابي فأخذ وحمل، فلما صار معهم قال: من هذا؟ قالوا: الأمير الحجاج، فعلم أنه قد أحيط به، فحرك دابته حتى صار بالقرب منه، فناداه: أيها الأمير: قال: ما تشاء يا أعرابي؟ قال: أحب أن يكون السر الذي بيني وبينك مكتوماً؛ فضحك الحجاج وخلى سبيله.

وخرج مرة أخرى فلقي رجلاً. فقال: كيف سيرة الحجاج فيكم؟ فشتمه أقبح من شتم الأول حتى أغضبه، فقال: أتدري من أنا؟ قال: ومن عسيت أن تكون؟ قال: أنا الحجاج، قال: أوتدري من أنا؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا مولى بني عامر، أجن في الشهر مرتين هذه إحداهما. فضحك وتركه.

[المهدي وأحد المصلين]

وقدم المهدي المدينة، فخرج ليلةً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً ليصلي، فبينما هو كذلك إذ جاء مدني فقام إلى جانبه يصلي، فلما قضى صلاته قال للمدني: أقدم خليفتكم؟ قال: نعم! فعل الله به وفعل وأراحنا منه، وجعل يدعو على المهدي وانصرف؛ فدخل عليه الربيع؛ فقال: يا ربيع؛ جلس إلى جانبي البارحة مدني فما ترك دعاءً إلا ودعا به علي. فقال: أتعرفه؟ قال: نعم، إذا رأيته! ثم ركب المهدي واجتمع أهل المدينة ينظرون، فوقعت عينه على الرجل؛ فقال: يا ربيع؛ ألا ترى الرجل الذي صفته كذا وكذا! هو ذاك صاحبي، فأمر به الربيع فأخذ، فلما رجع المهدي دعا به. فقال: يا هذا، هل أسأت إليك قط؟ قال: لا؛ قال: فهل لك مظلمة تطالبني بها؟ قال: لا، قال: فما دعاؤك علي حين صليت إلى جانبي؟ فقال المدني: فديتك والله! وعتق ما أملك؛ وامرأتي طالق إن لم أكن أغير كنيتي في اليوم مرتين وثلاثاً للملال. فضحك المهدي وأحسن صلته.

[حسن التخلص]

وخرج ابن أحمد المدني أيام العصبية إلى أذربيجان، فلقيه فرسان، فسقط في يده، فقال: الساعة يسألونني من أنا؟ وأخاف أن أقول مضري وهم يمانية، أو يماني وهم مضرية، فيقتلونني؛ فقربوا منه، وقالوا: يا فتى، ممن أنت؟ قال: ولد زنا، عافاكم الله! فضحكوا منه، وأعطوه الأمان، فأخبرهم بنفسه، فأرسلوا معه من يوصله إلى مقصده.

<<  <   >  >>