للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محاسنها نزهةٌ للعيون ... ومعرضها كلّ ما تلبس

ولأبي الفتح:

جاءت بعودٍ كأنّ نغمته ... صوت فتاةٍ تشكو فراق فتى

محفّفٍ حفّت النفوس به ... كأنّما الزهر حوله نبتا

دارت ملاويه فيه واختلفت ... مثل اختلاف اليدين شبّكتا

لو حرّكته وراء منهزمٍ ... على بريدٍ لعاج والتفتا

يا حسن صوتيهما كأنهما ... أُختان في صنعةٍ تراسلتا

تراه عنها ينوب إن سكتت ... طوراً وعنه تنوب إن سكتا

وله:

آه من بحّةٍ بغير انقطاع ... لفتاةٍ موصولة الإيقاع

أتعبت صوتها وقد يجتنى من ... تعب الصوت راحة الأسماع

فغدت تكثر الشّحاج وحطّت ... طبقات الأوتار بعد ارتفاع

كأنين المحبّ ضعّف منه ... صوت شكواه شدّة الأوجاع

وله:

أشتهي في الغناء بحّة حلقٍ ... ناعم الصوت متعبٍ مكدود

لا أُحبّ الأوتار تعلو كما لا ... أشتهي الضرب لازماً للعمود

وأحبّ المجنبات كحبّي ... للمبادي موصولةً بالنشيد

كهبوب الصّبا توسّط حالاً ... بين حالين شدةٍ وركود

وله أيضاً:

غنّت فخلت أظنّني طرباً ... أسمو إلى الأفلاك أو أرقى

لو لم تحرّكه أناملها ... كان الهواء يعيده نطقا

جسّته عالمةً بجسّتها ... جسّ الطبيب لمدنفٍ عرقا

فحسبت يمناها، وقد ضربت ... رعداً وخلت يسارها برقا

وأبو الفتح كشاجم هذا اسمه محمود بن الحسن بن السندي، من أهل هذه الصناعة، وله في الغناء كتاب مليح. وقد دل على فعاله بمقاله:

أفدي التي كلف الفؤاد من أجلها ... بالعود حتى شفّني إطرابا

باهت بجمع صناعتين فأظهرت ... كبراً لذاك وأُعجبت إعجابا

قالت فضلتك بالغناء وأنت لا ... تشدو، وكنّا مثلكم كتّابا

فعبثت بالأوتار حتى لم أدع ... نغماً ولم أعقل لهنّ حسابا

وألفتها فأغار ذاك على يدي ... قلمي وعاتبها عليه عتابا

فجعلت للقرطاس جانب صدره ... وجعلت جانب عجزه مضرابا

وكان كامل آلات الظرف، جامعاً لخلال الأدب واللطف، وله تآليف ملاح، تدل على معرفته وتوسعه، وقد ذكروا أنه سمى نفسه كشاجم لما يعلمه؛ فالكاف من كاتب، والشين من شاعر، والألف من أديب، والجيم من منجم، والميم من مغن.

وقال أبو عثمان سعيد بن الحسن الناجم:

لقد جاد من عابثٍ ضربها ... وزاد كما زاد تغريدها

إذا نوت الصوت قبل الغنا ... ء أنشدنا شعرها عودها

وقد قال أستاذه ابن الرومي في نحوه:

ضربك في عودك لم يخرجا ... عن حاله، والعود في الضرب

كأنّما وقعهما في الحشا ... وقع الحيا في زمن الجدب

أخذ هذا أبو الحسن المنجم بن يونس المصري فقال:

غنّت فأخفت صوتها في عودها ... فكأنّما الصوتان صوت العود

غيداء تأمر عودها فيطيعها ... أبداً ويتبعها اتباع ودود

أندى من النّوّار صبحاً صوتها ... وأرقّ من نشر الثنا المعهود

فكأنّما الصوتان حين تمازجا ... ماء الغمامة وابنة العنقود

ومثل هذا:

سلامة بن سعيد ... يجيد حثّ الراح

إذا تغنّى زمرنا ... عليه بالأقداح

وقال الناجم:

تأتي أغاني عابث ... أبداً بأفراح النفوس

تشدو فترقص الرؤو ... س لها وتزمر الكؤوس

وقال:

وما صدحت عابث ومزهرها ... إلاّ وثقنا باللهو والفرح

لها غناءٌ كالبرء في جسد ... أضناه طول السّقام والتّرح

تعبدها الراح فهي ما صدحت ... إبريقنا ساجداً إلى القدح

وقال:

إذا أنت ميّزت بين الغنا ... ء ميّزتها الأحذق الأطيبا

تهزّ القريض بألحانها ... كما هزّت الغصن ريح الصّبا

وقال:

<<  <   >  >>