للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَكل يقتحم المناظرة وَإِن لم يحسنها ويراها فَرِيضَة وَهُوَ لَا يفهمها وَلم يتَّخذ شَيْئا من الْعُلُوم والصناعات إِلَّا الفضول معترف فِيهَا للفضائل لَا الْجِدَال والمناظرة وَأَن الْجَمِيع يدعونَ أمرا لَا يقدرُونَ على التناصف فِيهِ لبعد غَايَته وَهُوَ أَنهم ليختلفون فِي معرفَة الْبَارِي تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يدركونه بالحواس فيختلفون فِي مَعْرفَته وَإِنَّمَا يتعارف النَّاس فِيمَا يدركونه بالحواس ويتصورونه فِي الأوهام فينقمع الْعقل السَّلِيم فِي إِجَابَة الْحق إِذا أدْركهُ وانكشف لَهُ فَلذَلِك يُجَادِل كل قوم عَن دينهم ويفضلون أنفسهم على غَيرهم ويدلك على ذَلِك أَنَّك تَجِد الصقلبي العَبْد الحبشي يَقع مرقوقا بيد رجل من أحد الثَّلَاث ملل فَيردهُ إِلَى مِلَّته ويورد عَلَيْهِ أَخْبَار سلفه فيتقبله مِنْهُ كتقبل الْأَطْفَال الْمُعَذَّبين فِيهِ وعلته فِي ذَلِك أَنه يجد صَدره خَالِيا من الْأَخْبَار الْمُدَوَّنَة فِي الْكتب فَيتَعَلَّق بِمَا أورد عَلَيْهِ من أَخْبَار من علمه ويتمكن ذَلِك فِي صَدره حَتَّى يصير وَاحِدًا من أهل الْملَّة فِي إدعاء الْفضل لَهَا وإنتقاص أهل غَيرهَا والطعن عَلَيْهِم وَلَو أَن مجوسيا دخل بلدنا طارئا أَو تَاجِرًا فكبرت عَلَيْهِ مجوسيته ووحش لوحدته على الْبَقَاء عَلَيْهَا عَازِمًا على رفضها ثمَّ طلب الْخُرُوج إِلَى أفضل الثَّلَاث الْملَل الْمفْسدَة عَلَيْهِ مجوسيته لتحير وعمى أَيَّة أفضل فَيخرج إِلَيْهَا لِأَنَّهُ يجد كل قوم يدعونَ لأَنْفُسِهِمْ الْإِيمَان ولغيرهم الْكفْر ثمَّ تجدهم متكافئين فِي إدعاء الْآيَات لِأَن أهل كل دين يزعموه أَن بَيِّنَة دينهم على آيَات قَامَت وبراهين ظَهرت وَمَا تَجِد عِنْد أحدهم آيَة من تِلْكَ الْآيَات الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا أضطرت عقل المجوسى إِلَى الدُّخُول فِي أديانهم

وَلَكِن الَّذِي كَانَ يضمه إِلَيْهِ حسن نظره أَن يتَوَقَّف حَتَّى يسمع حجتهم وَيسْتَعْمل عقله فِي دَعوَاهُم ليفهم مَا احتجاجهم من نبذ الْحق فَكَانَ يجد فِي دَعوَاهُم أَن النَّصْرَانِي وَالْمُسلم مقران لِلْيَهُودِيِّ بِأَن دينه أول وأنبياؤه حق ثمَّ يَقُول النَّصْرَانِي إِن كتابي جَاءَ من بعد فنسخ طَاعَة دين الْيَهُودِيّ ثمَّ يَقُول الْمُسلم وَكَذَلِكَ جَاءَ كتابي بعد فنسخ طَاعَة دين النَّصْرَانِي كَمَا نسخ الْيَهُودِيّ فَإِذا كاشف الْمَجُوسِيّ الْيَهُودِيّ عَمَّا إدعياه أنكرهما وَقَالَ لم يَأْتِ بعد كتابي

<<  <   >  >>