وَهَذَا من القَوْل تشنيع الْكَذِب وَإِذا لم يكن بُد من أَن مُوسَى لم يدْرك الْمُرْسل لَهُ إِلَّا بِوَاسِطَة اتَّحد لَهُ يُسمى بإسمه فالواسط هُوَ الْعَامِل فِي مُوسَى وَعنهُ تحمل الرسَالَة حَتَّى يَأْتِي فِرْعَوْن بِمصْر وَيَقُول إِن الله ترَاءى لي بطور سيناء وبعثني إِلَيْك لترسل معي بني إِسْرَائِيل وَلَا تُعَذبهُمْ مجددا الْموضع الَّذِي أقبل مِنْهُ من عندالله وَكَانَ الله بِمصْر وَفِي كل مَكَان وَلَا كَانَ يعجز مُوسَى عَن معرفَة الْأَمر والنهى إِلَّا بِكَلَام مَحْدُود من جسم مفطور خلق الله لَهُ نَارا أبصرهَا فَنزع إِلَيْهَا ثمَّ أحجب فِيهَا صدى سَمعه مِنْهَا قَامَ عِنْده مقَام خَالق فَسَماهُ إِلَهًا
الْجَواب عَنهُ
أما قَوْلك ثمَّ نقُول لمن ناظرني من بَاقِيَة الْمُسلمين فلتعلم يَا هَذَا أَنَّك غَلطت فِي نَفسك وغفلت عَن حَسبك حَيْثُ ظَنَنْت أَنَّك مِمَّن يستحسن مناظرته أحد من الْمُسلمين للَّذي أمروا بِهِ من الْأَعْرَاض عَن الْجَاهِلين وَكَيف وَأَنت لَا يمكنك النُّطْق بِكَلَام فصيح وَلَا تقدر على نظر صَحِيح وأنى لَك بمناظرتهم وَلم تسلك شَيْئا من طريقتهم وَكَيف يمكنك النّظر مَعَهم وَأَنت لم تعرف طَرِيقه وَلَا التزمت شُرُوطه
فوحق دين الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لقد وددت أَن تكون من عقلاء الْأَنَام لتعرف قدر مَا يلقى من الأسئلة عَلَيْك وَمَا يكْتب بِهِ من الحكم إِلَيْك فَلَعَلَّ مُقَلِّب الْقُلُوب يستنقذك من عبَادَة إِلَه مصلوب ويبدلك بهَا إخلاص الْعِبَادَة لعلام الغيوب وَلَوْلَا رَجَاء ذَلِك لما كَانَ يَنْبَغِي لي أَن أعْطى الْحِكْمَة غير أَهلهَا كَمَا لَا يَنْبَغِي أَن أسمعها من هُوَ من أَهلهَا
وَأما قَوْلك إِن كتابكُمْ يَقُول إِن مُوسَى سمع الله وَكَلمه تكليما فَكيف يسوغ لَك أَن تجنح بِمَا أَنْت مُنكر لأصله وَلَا تعترف بِأَنَّهُ كَلَام الله وَأَنت مُنكر لتصديق من جَاءَ بِهِ فَلَا يحل لَك أَن تحتج لنَفسك وَلَا لغيرك بِمَا تعتقد أَنه كذب وَأما نَحن فيمكننا أَن نحتج عَلَيْكُم وعَلى الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل لأَنا نعتقد أَن الله تَعَالَى أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَالْإِنْجِيل على عِيسَى وهما هدى قبل أَن يغيرا ويبدلا وينسخا بِغَيْرِهِمَا