وَلذَلِك عدلوا للخمر مَعَ خفَّة مؤنتها وَقلة ثمنهَا فَإِنَّهُم أَشد النَّاس بخلا فَإِن قيل لَهُم بِأَيّ شَيْء عدلتم عَن قرْبَان التَّوْرَاة قَالُوا لِأَن ملكي صَادِق أول من قرب الْخمر وَالْخبْز وَلِأَن الْمَسِيح قَالَ من أكل لحمي وَشرب دمي كَانَ فِي وَأَنا فِيهِ وَلِأَن الحواريين فرضوا هَذَا القربان
هَذَا غَايَة مَا يحتجون بِهِ وَلَا بُد من تتبع ذَلِك وَبَيَان تحكمهم وباطلهم فَنَقُول
أما قَوْلكُم بِفعل ملكي صَادِق فَبَاطِل من أوجه
أَحدهَا
أَنه لم يكن نَبيا فَإِن ادعيتم أَنه نَبِي فَلَا بُد من الدَّلِيل على ذَلِك فَعَلَيْكُم إثْبَاته وَلَو سلم ذَلِك لتبقى عَلَيْكُم أَن تثبتوا أَن شَرعه شرع لكم وَلَو سلم أَن شَرعه شرع لكم لَكَانَ يَنْبَغِي أَن تعلمُوا أَن التَّوْرَاة قد نسخت ذَلِك الشَّرْع إِذْ قد اسْتَقر أَن مُوسَى عمل بِخِلَافِهِ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء بعده وَلَو كَانَ ذَلِك الحكم بَاقِيا صَحِيحا لما كَانَ يَنْبَغِي لمُوسَى أَن يعدل عَنهُ وَلما جَاءَكُم بِغَيْرِهِ فترككم التَّوْرَاة الَّتِي أَنْتُم مخاطبون بأحكامها وشرعها إِلَى مالم تخاطبوا بِهِ وَلَا شرع لكم إستهانة بشرع التَّوْرَاة وأحكامها بل إستخفاف بِالَّذِي أنزلهَا وَبِالَّذِي أنزلت عَلَيْهِ فقد بَطل إستدلالكم بِفعل ملكي صَادِق من أوجه
وَأما استدلالكم بقول عِيسَى فهذيان لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ من عمل بعملي أَو تعلم من علمي أحببته وأحبني وَمَا ذكره مثل محسوس قصد بِهِ التَّنْبِيه على معنى مَعْقُول وَدَلِيل ذَلِك من قَوْله قَوْله أَنا الْخبز النَّازِل من السَّمَاء انما اراد أَنه بِمَنْزِلَة الْخَبَر الَّذِي يغتذي بِهِ لِأَنَّهُ قد جَاءَ بغذاء الْأَرْوَاح