وَهَذَا دَلِيل من أَدِلَّة نبوته لَا يخفى على متأمل وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق بل نقُول أَنه لَيْسَ فِي الْقُوَّة البشرية والجبلة الإنسانيه الْوُصُول من الْعُلُوم والمعقولات إِلَى مثل مَا وصل هُوَ إِلَيْهِ إِذْ قد علم أمورا لَا يسْتَقلّ الْعقل بدركها وَأخْبر بهَا وَعند هَذَا يعلم أَن ذَلِك بِتَوْفِيق إلهي وَنور رباني وَلأَجل هَذَا قَالَ الله لَهُ {وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما}
وَأما صبره وحلمه
فيكفيك من ذَلِك أَنه كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج فِي وَجه فشق ذَلِك على أَصْحَابه فَقَالُوا لَهُ لَو دَعَوْت الله عَلَيْهِم فَقَالَ إِنِّي لم أبْعث لعانا وَإِنَّمَا بعثت رَحْمَة ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اهد قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ
فَأنْظر مَا فِي هَذَا القَوْل من جماع الْفضل ودرجات الْإِحْسَان وَحسن الْخلق وكرم النَّفس وَغَايَة الصَّبْر والحلم إِذْ لم يقصر على السُّكُوت عَنْهُم حَتَّى عفى ثمَّ أشْفق عَلَيْهِم ورحمهم ودعا وشفع لَهُم ثمَّ أظهر سَبَب الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة بقوله لقومي ثمَّ اعتذر عَنْهُم لجهلهم فَقَالَ فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَكَذَلِكَ جَاءَ أَعْرَابِي جلف جَاف وَكَانَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برد غليظ الْحَاشِيَة فَجَذَبَهُ الْأَعرَابِي بردائيه جبذا شَدِيدا حَتَّى أثر حَاشِيَة الْبرد فِي صفحة عُنُقه ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد احملني على بعير من مَال الله الَّذِي بِيَدِك فَإنَّك لَا تحملنِي من مَالك وَلَا من مَال أَبِيك فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ المَال مَال الله وَأَنا عَبده ثمَّ قَالَ لَهُ لم فعلت بِي مَا فعلت قَالَ كَأَنَّك لَا تكافئ بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَمر أَن يحمل لَهُ على بعير شعير وعَلى آخر تمر
وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ آخر اعْدِلْ يَا مُحَمَّد فَإِن هَذِه قسْمَة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيلك إِن لم أعدل أَنا فَمن يعدل أيأمنني الله على خزائنه وَلَا تأمنوني وَكَذَلِكَ سحره