[فصل]
فِي بَيَان بعض مَا طَرَأَ فِي التَّوْرَاة من الْخلَل وَأَنَّهَا لم تنقل نقلا متواترا فتسلم لأَجله من الْخَطَأ والزلل
فَأول دَلِيل
أَنَّهَا لم تتْرك على مَا كَانَت فِي الألواح الَّتِي كتبهَا الله تَعَالَى لمُوسَى وَلَا على مَا انتسخها لَهُم مُوسَى بل زيد فِيهَا وَلَا بُد مَا لَيْسَ مِنْهَا وَلَا كَانَ فِي الألواح الَّتِي كتبهَا الله لمُوسَى وَيدل على ذَلِك أَن فِي آخر السّفر الْخَامِس أَن مُوسَى توفى فِي أَرض موآب بِإِزَاءِ بَيت فغور وَلم يعرف إِنْسَان مَوضِع قَبره إِلَى الْيَوْم وَكَانَ قد أَتَى على مُوسَى إِذْ توفى مائَة وَعِشْرُونَ سنة وَلم يضعف بَصَره وَلم يتشيخ وَجهه وَبكى بَنو إِسْرَائِيل على مُوسَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا فِي عريب موآب فَلَمَّا تمت أَيَّام حزنهمْ على مُوسَى امْتَلَأَ يشوع بن نون من روح الْحِكْمَة لِأَن مُوسَى كَانَ وضع يَده على رَأسه فِي حَيَاته وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل يطيعونه ويعملون كَمَا أَمر الرب مُوسَى
وَلَا يشك الْوَاقِف على هَذَا التَّارِيخ وَهَذِه الْوَفَاة أَنَّهَا لَيست مِمَّا أنزل الله على مُوسَى وَلَا مِمَّا كتبهَا مُوسَى عَن نَفسه وَإِنَّمَا هِيَ من إِثْبَات من أَرَادَ أَن يثبتها بعد وَفَاة مُوسَى بِزَمَان ويدلك على ذَلِك قَوْله وَلم يعرف إِنْسَان مَوضِع قَبره إِلَى الْيَوْم يُرِيد بِهِ الْيَوْم الَّذِي كتب فِيهِ هَذَا وَهَذَا بَين عِنْد الْمنصف وَمَعَ بَيَانه فَلَيْسَ أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِيمَا أعلم يَقُول إِن التَّوْرَاة زيد فِيهَا شَيْء بعد مُوسَى وَلَا يفرق بَين هَذَا الْكَلَام وَغَيره بل هِيَ كلهَا عِنْدهم كَلَام الله وَهَذَا جهل عَظِيم وخطب جسيم فهم بَين أَمريْن إِمَّا أَن يَقُولُوا ان هَذَا الْكَلَام هُوَ مِمَّا كتبه الله لمُوسَى وَأخْبر بِهِ مُوسَى أَو يَقُولُوا إِنَّه لَيْسَ مِمَّا أخبر الله بِهِ مُوسَى وَلم يخبر بِهِ مُوسَى فَإِن قَالُوا الأول كذبه مساق الْكَلَام فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ على الْقطع أَنه كتب بعد وَفَاة مُوسَى بِزَمَان وَإِن قَالُوا بالْقَوْل الآخر قيل لَهُم فلأي شَيْء خلطتم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute