الْوَجْه الثَّانِي
من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن نظمه العجيب وأسلوبه الْغَرِيب الَّذِي خَالف بِهِ جَمِيع أسلوب كَلَام الْعَرَب حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بَينه وَبَينه نسب وَلَا سَبَب فَلَا هُوَ كمنظوم كَلَامهَا فَيكون شعرًا مَوْزُونا وَلَا كمنثوره فَيكون نثرا عريا عَن الفواصل محروما بل تشبه رُؤُوس آيه وفواصله قوافي النّظم وَلَا تدانيها وتخالف آيه متفرقات النثر وتناويها فَصَارَ لذَلِك أسلوبا خَارِجا عَن كَلَامهم ومنهاجا خارقا لعادة خطابهم وَذَلِكَ أَن كَلَام بلغاء الْعَرَب لَا يَخْلُو
أما أَن يكون مَوْزُونا منظوما أَو غير مَوْزُون وَلَا منظوم فَالْأول هُوَ الشّعْر وَهُوَ أَصْنَاف وأنواع بِحَسب اخْتِلَاف أعاريضه وَالثَّانِي هُوَ النثر وَالْقُرْآن الْعَزِيز خَارج عَن الصِّنْفَيْنِ مفارق للنوعين فَارق الشّعْر بِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْزُونا وَزنه فتكسره لَفْظَة زَائِدَة وَلَا مرتبطا ربطه حَتَّى تفسده مُخَالفَة قافية وَاحِدَة فِي الْوُقُوف عَلَيْهِ وأوضح شَاهد وأقطع لشُبْهَة كل معاند
وَهَا أَنا أتلوا عَلَيْكُم معشر النَّصَارَى بعض آيَاته ليتَحَقَّق الْمنصف صدق شهاداته
وَقَالَ الله الْعَظِيم فِي مُحكم كِتَابه الْكَرِيم {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذْ انتبذت من أَهلهَا مَكَانا شرقيا فاتخذت من دونهم حِجَابا فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا قَالَت أَنى يكون لي غُلَام وَلم يمسسني بشر وَلم أك بغيا قَالَ كَذَلِك قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين ولنجعله آيَة للنَّاس وَرَحْمَة منا وَكَانَ أمرا مقضيا فَحَملته فانتبذت بِهِ مَكَانا قصيا فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسيا منسيا فناداها من تحتهَا أَلا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سريا وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا فَقولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا فَأَتَت بِهِ قَومهَا تحمله قَالُوا يَا مَرْيَم لقد جِئْت شَيْئا فريا يَا أُخْت هَارُون مَا كَانَ أَبوك امْرأ سوء وَمَا كَانَت أمك بغيا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا وَبرا بوالدتي وَلم يَجْعَلنِي جبارا شقيا وَالسَّلَام عَليّ يَوْم ولدت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أبْعث حَيا}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute