فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل
فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
إِن هَذَا الْكتاب الَّذِي بيد النَّصَارَى الْيَوْم الَّذِي يسمونه بالإنجيل لَيْسَ هُوَ الْإِنْجِيل الَّذِي قَالَ الله فِيهِ على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس}
وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا فِي الْإِنْجِيل دون التَّوْرَاة لِأَن التَّوْرَاة قد ثَبت عندنَا وَعِنْدهم أَن الله تَعَالَى كتبهَا فِي الألواح لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وتدعى الْيَهُود أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام نسخ لَهُم التَّوْرَاة من تِلْكَ الألواح فَحصل من هَذَا أَن التوارة بلغت بجملتها عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ أَنه حدث فِيهَا من التَّغْيِير بعده مَا قدمنَا ذكره
وَأما هَذَا الْكتاب الَّذِي يدعى النَّصَارَى أَنه الْإِنْجِيل فقد توَافق هَؤُلَاءِ النَّصَارَى على أَنه إِنَّمَا تلقى عَن إثنين من الحواريين وهما متاؤوش ويوحنا وَعَن اثْنَيْنِ من تلاميذ الحواريين وهما ماركش ولوقا وَأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يشافههم بِكِتَاب مَكْتُوب عَن الله كَمَا فعل مُوسَى وَلَكِن لما رفع الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِ تفرق الحواريون فِي الْبِلَاد والأقاليم كَمَا أَمرهم عِيسَى فَكَانَ مِنْهُم من كتب بعض سيرة عِيسَى وَبَعض معجزاته وَبَعض أَحْوَاله حسب مَا تذكر وَمَا يسر الله عَلَيْهِ فِيهِ فَرُبمَا توارد الْأَرْبَعَة على شَيْء وَاحِد فَحَدثُوا بِهِ وَرُبمَا انْفَرد بَعضهم بِزِيَادَة معنى وَكَذَلِكَ كثيرا مَا يُوجد بَينهم من اخْتِلَاف مساق وتناقض بَين قَوْلَيْنِ وَزِيَادَة ونقصان وسترى بعض ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فعلى هَذَا لايسمى الْإِنْجِيل كتاب الله الْمنزل حَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة الْكتاب الْمنزل بِحكم الْعرف إِنَّمَا هُوَ عبارَة عَن جملَة من كَلَام الله المبلغة على لِسَان رَسُول من رسله يحكيها ذَلِك الرَّسُول عَن الله تَعَالَى