ثمَّ قلت اعْلَم أَن أهل الْملَل أَجْمَعِينَ متكافئون فِي إدعاء الْإِيمَان حاكمون على كل قوم لأَنْفُسِهِمْ بِالْإِيمَان ولغيرهم بالْكفْر فَنَقُول أما التكافؤ فِي الدَّعْوَى فَنعم لَكِن الْفَصْل يَقع بَينهمَا من جِهَة الْبَينَات ووقوف الْعُقَلَاء على حِكَايَة الْمذَاهب والديانات فَإِن من الْأَدْيَان مَا يدْرك فَسَاده بِغَيْر نظر وَلَا برهَان بل بالفطرة الَّتِي خص الله بهَا الْإِنْسَان وَكَذَلِكَ دين النَّصَارَى الضلال الحيارى
وَلَقَد حكى أَن بعض حكماء الْهِنْد وَكَانَ من الْمُلُوك الَّذين يحكمون بالسياسية الدِّينِيَّة الَّذين لم يتقلدوا إتباع مِلَّة دينية ذكرت لَهُ الْملَل الثَّلَاث فَقَالَ أما النَّصَارَى وَإِن كَانَ مناصبوهم من أهل الْملَل يجاهدونهم بِحكم شَرْعِي فقد أدَّت آراؤهم إِلَى أَن لَا نرى بِحكم عقولنا لَهُم عقولا فاستثنى هَؤُلَاءِ الْقَوْم يُرِيد النَّصَارَى من جَمِيع العوالم فَإِنَّهُم قصدُوا مضادة الْعقل وناصبوه الْعَدَاوَة وتحلوا ببث الإستحالات مَعَ أَنهم حادوا عَن المسلك الَّذِي انتهجه غَيرهم من أهل الشَّرَائِع وَقد كَانَ لَهُم فِيهِ كِفَايَة وَلَكنهُمْ شذوا عَن جَمِيع مناهج الْعَالم الشَّرْعِيَّة الصَّالِحَة والعقلية الْوَاضِحَة واعتقدوا كل شَيْء مُسْتَحِيل مُمكنا فَلم يعزب عَنْهُم شَيْء وبنوا من ذَلِك شرعا لَا يُؤَدِّي الْبَتَّةَ إِلَى صَلَاح نوع من أَنْوَاع الْعَالم إِلَّا أَنه يصير الْعَاقِل إِذا تشرع بِهِ أخرق والمرشد سَفِيها والمحسن مسيئا لِأَن من كَانَ فِي أصل عقيدته الَّتِي جر نشوؤه عَلَيْهَا الْإِسَاءَة إِلَى الْخَالِق والنيل مِنْهُ بوصفه بِغَيْر صِفَاته الْحسنى فاخلق بِهِ أَن يقْصد الْإِسَاءَة إِلَى مَخْلُوق وَلذَلِك مَا بلغنَا عَنْهُم مِمَّا فِي خلقهمْ من الْجَهْل وَضعف الْعقل والطمع وَالْبخل ومهانة النَّفس وخساسة الهمة والغدر وَقلة الْحيَاء إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَلَو لم تجب مجاهدة هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَّا لعُمُوم أضرارهم الَّتِي لَا تحصى وجوهها لكفى وكما يجب قتل الْحَيَوَان المؤذي بطبعه فَكيف وَقد ثمَّ من الموجبات مَا تقدم
فَهَذَا مَا بدا لهَذَا الْحَكِيم فِي أول نظرة من مذهبكم على أول وهلة وَلَيْسَ بمخاصمكم وَلَا مناوئكم وَلَا بمتهم بإتباع الْهوى فِيكُم لَكِن قد تبين الصُّبْح لذِي عينين بِحَيْثُ لَا يشك فِيهِ أحد من النقلين وسترى ذَلِك وَاضحا إِن كنت ذَا بصر وبصيرة إِن شَاءَ الله تَعَالَى