فَخرج بِهِ عَمه أَبُو طَالب سَرِيعا حَتَّى أقدمه مَكَّة حِين فرغ من تِجَارَته فزعموا فِيمَا يروي النَّاس أَن زريرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الْكتاب قد كَانُوا رَأَوْا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا رأى بحيرا فِي ذَلِك السّفر الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمه أبي طَالب فأرادوه فردهم عَنهُ بحيرا وَذكرهمْ الله وَمَا يَجدونَ فِي الْكتاب من ذكره وَصفته وَأَنَّهُمْ إِن أَجمعُوا لما أَرَادوا بِهِ لم يخلصوا إِلَيْهِ وَلم يزل بهم حَتَّى عرفُوا مَا قَالَ لَهُم وَصَدقُوهُ بِمَا قَالَ فتركون وَانْصَرفُوا
فشب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله تَعَالَى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الْجَاهِلِيَّة لما يُرِيد بِهِ من كرامته ورسالته حَتَّى بلغ أَن كَانَ رجلا أفضل قومه مُرُوءَة وَأَحْسَنهمْ خلقا وَأكْرمهمْ حسبا وَأَحْسَنهمْ جوارا وأعظمهم حلما وأصدقهم حَدِيثا وأعظمهم أَمَانَة وأبعدهم من الْفُحْش والأخلاق الَّتِي تدنس الرِّجَال تنزها وتكرما حَتَّى مَا اسْمه فِي قومه إِلَّا الْأمين لما جمع الله فِيهِ من الْأُمُور الصَّالِحَة
فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين سنة وَعرفت أَمَانَته وَصدق حَدِيثه وَظَهَرت بركته عرضت عَلَيْهِ خَدِيجَة بنت خويلد مَا لَا يخرج بِهِ مُسَافِرًا إِلَى الشَّام وتعطيه أفضل مَا كَانَت تُعْطِي غَيره من التُّجَّار مَعَ غُلَام لَهَا يُقَال لَهُ ميسرَة فَقبله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا وَخرج فِي ذَلِك المَال وَخرج مَعَه ميسرَة حَتَّى قدما الشَّام فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ظلّ شَجَرَة قَرِيبا من صومعة رَاهِب من الرهبان فَاطلع الراهب