للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لم يخص بِهِ غَيرهم من الْأُمَم وأوتوا من دراية اللِّسَان مَا لم يؤته إِنْسَان وَمن فصل الْخطاب مَا يتعجب مِنْهُ أولُوا الْأَلْبَاب جعل الله لَهُم ذَلِك طبعا وخلقه فيهم غريزة ووضعا فَيَأْتُونَ مِنْهُ على البديهة بالعجب ويدلون بِهِ إِلَى كل سَبَب فيخطبون بدلهَا فِي المقامات وشديد الْخطب ويرتجزون بِهِ بَين الطعْن وَالضَّرْب فَرُبمَا مدحوا شَيْئا وضيعا فَرفع وَرُبمَا ذموا شريفا فَوضع فيصيرون بمدحهم النَّاقِص كَامِلا والنبيه خاملا وَذَلِكَ لفصاحتهم الرائقة وبلاغتهم الفائقة فَكَانُوا يأْتونَ من ذَلِك بِالسحرِ الْحَلَال ويوردونه أعذب من المَاء الزلَال

فيخدعون بذلك الْأَلْبَاب ويذللون الصعاب ويذهبون الأحن ويهيجون الْفِتَن ويجرءون الجبان ويبسطون يَد الْجَعْد البنان فهم يعْرفُونَ أَصْنَاف الْكَلَام مَا كَانَ مِنْهُ نثرا وَمَا كَانَ ذَا نظام قد عمروا بذلك أزمانهم وَجعلُوا ذَلِك مهمتهم وشأنهم حَتَّى بلغُوا مِنْهُ أَعلَى الرتب وأطلوا مِنْهُ على كل غابة وَسَب لَا ينازعهم فِي ذَلِك مُنَازع وَلَا يدافعهم عَن ذَلِك مدافع فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَهُم رَسُول كريم بقرآن حَكِيم فعرضه عَلَيْهِم وأسمعهم إِيَّاه وَاسْتدلَّ على صدقه بذلك

وَقَالَ لَهُم إِن كُنْتُم فِي شكّ من صدقي فائتوا بقرآن مثله وَعند سماعهم لَهُ راعهم مَا سمعُوا وَعَلمُوا أَنهم دون معارضته قد انْقَطَعُوا فَلم يقدروا على ذَلِك ثمَّ إِنَّه طلب مِنْهُم أَن يأتو بِعشر سور مثله فعجزوا وَلم يقدروا ثمَّ طلب مِنْهُم أَن يَأْتُوا بِسُورَة مثله فَلم يستطيعوا وَعند ذَلِك أخْبرهُم وَقَالَ لَهُم {لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} يعْنى عونا فَعِنْدَ ذَلِك ظهر عجزهم وتبلدهم وَإِن كَانُوا هم اللسن الفصحاء اللد البلغاء

وَعند ظُهُور عجزهم تبينت حجَّته ووضحت محجته وَهَكَذَا حَال غير وَاحِد من الرُّسُل أَلا ترى أَن الله تَعَالَى أرسل مُوسَى بن عمرَان إِلَى قوم كَانَ مُعظم علمهمْ وعملهم السحر فأيده بقلب العصى حَيَّة

<<  <   >  >>