للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا يجوز وَمَا يَسْتَحِيل فِي حَقه يعلمُونَ بالبراهين القاطعة أَنه يَسْتَحِيل أَن يسمع مُوسَى كَلَام الله على شَيْء من الْأَحْوَال الَّتِي يسمع عَلَيْهَا بَعْضنَا من بعض على مَا نبينه إِن شَاءَ الله

فعلى هَذَا إِذا سَأَلنَا سَائل كَمَا سَأَلت أَنْت قُلْنَا لَهُ السُّؤَال عَن الله تَعَالَى وَصِفَاته ب كَيفَ ظلم وحيف فَإِن الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَقد سَأَلت ب كَيفَ فِي مَوضِع لَا مدْخل لَهَا فِيهِ فتأدب مَعَ الله قبل حُلُول عِقَاب الله فَإِن من لم يسْتَعْمل مَعَ الله الْأَدَب فقد اسْتحق التَّعَب وَحرم الرتب وَمن لم يستنكر هَذَا الْكَلَام لحق بالبهائم والهوام فَإِنَّهُ لَو سَأَلَك عنين لم يذقْ قطّ لَذَّة الْجِمَاع وَقَالَ لَك كَيفَ أدْركْت أَنْت لَذَّة الْجِمَاع لَكَانَ الْجَواب يصعب عَلَيْك وَلم يمكنك تفهيمه إِذْ لم يذقْ لَذَّة الْجِمَاع وَكَذَلِكَ كل من لم يسمع كَلَام الله كَمَا سَمعه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ كالعنين بِالْإِضَافَة إِلَى إِدْرَاك الْكَلَام الْقَدِيم إِذْ لم يسمعهُ وَلَا اتّصف بالإدراك الَّذِي اتّصف بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وكما لَا يُقَال كَيفَ يسمع الله كَلَام الْخلق كَذَلِك لَا يُقَال كَيفَ يسمع كَلَامه أحد من الْخلق وكما لَا يُقَال كَيفَ يرى الله الْخلق كَذَلِك لايقال كَيفَ يرَاهُ الْخلق فَإِن الْكَيْفِيَّة محَال على الله تَعَالَى وعَلى صِفَاته من جَمِيع الْوُجُوه

وَلَوْلَا خوف الْإِكْثَار وَأَنا وَضعنَا هَذَا الْكتاب على الإختصار لملأت صدرك من عَظمَة الله تَعَالَى إِن كنت عَاقِلا حَتَّى يتَبَيَّن لكم أَنكُمْ لم تعرفوا الله حق مَعْرفَته وَلَا قدرتموه حق قدره

وَأما قَوْلك فَإِن قُلْتُمْ أَنه كَلمه بِذَاتِهِ فقد أوجبتم لَهُ جارحة النُّطْق ووقعتم فِيمَا أنكرتموه من الْجِسْم فَلَا يلْزم من هَذَا كُله شَيْء وَإِنَّمَا كَانَ يلْزمنَا هَذَا لَو قُلْنَا إِن الله تَعَالَى كَلمه بِصَوْت وحرف يخرج من لَهَوَات ويقطعه لِسَان وَنحن لَا نقُول بِشَيْء من ذَلِك بل نقُول إِن الله تَعَالَى مُتَكَلم بِكَلَام هُوَ وصف قَائِم بِذَات الله لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَهَذَا مَعْقُول مَفْهُوم فَإنَّا نحس من أَنْفُسنَا كلَاما قَائِما بذواتنا فنتحدث بِهِ مَعَ أَنْفُسنَا لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَهَذَا مِمَّا يجده الْإِنْسَان من نَفسه بِالضَّرُورَةِ وَيكون الْحَرْف وَالصَّوْت دالين على ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي فِي النَّفس وَهَذَا لاستحالته فِي كَلَام بناسبه

<<  <   >  >>