. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنْ الْوُجُوهِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ التّلَاوَةُ إلّا بِوَجْهِ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ فَتَدَبّرْهُ.
وَكَذَلِكَ تَسَامَحَ النّحْوِيّونَ أَيْضًا فِي الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ، وَجَعَلُوهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ فِي حُكْمِ التّعْدِيَةِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ أَصْلًا لَجَازَ فِي: أَمْرَضْته أَنْ تَقُولَ: مَرِضْت بِهِ، وَفِي أَسْقَمْته: أَنْ تَقُولَ: سَقِمْت بِهِ، وَفِي أَعْمَيْته أَنْ تَقُولَ: عَمِيت بِهِ قِيَاسًا عَلَيّ: أَذْهَبْته وَأَذْهَبْت بِهِ، وَيَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْعَالِمُونَ؛ فَإِنّمَا الْبَاءُ تُعْطِي مَعَ التّعْدِيَةِ طَرَفًا مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي الْفِعْلِ، وَلَا تُعْطِيهِ الْهَمْزَةَ، فَإِذَا قُلْت: أَقْعَدْته، فَمَعْنَاهُ:
جَعَلْته يَقْعُدُ، وَلَكِنّك شَارَكْته فِي الْقُعُودِ، فَجَذَبْته بِيَدِك إلَى الْأَرْضِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدّ مِنْ طَرَفٍ مِنْ الْمُشَارَكَةِ إذَا قَعَدْت بِهِ، وَدَخَلْت بِهِ، وَذَهَبْت بِهِ بِخِلَافِ أَدْخَلْته وَأَذْهَبْته.
فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ ذَهَبَ الله بنورهم، وذهب بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ» وَيَتَعَالَى- سُبْحَانَهُ- عَنْ أَنْ يوصف بالذهاب، ويضاف إلَيْهِ طَرَفٌ مِنْهُ، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ: أَذَهَبَ نُورَهُمْ وَسَمْعَهُمْ. قُلْنَا: فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا: أَنّ النّورَ وَالسّمْعَ وَالْبَصَرَ كَانَ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ قَالَ: بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهَذَا: مِنْ الْخَيْرِ الّذِي بِيَدِهِ، وَإِذَا كَانَ بِيَدِهِ، فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى الّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَعَلَيْهِ يَنْبَنِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآخَرُ الّذِي فِي قَوْلِهِ: ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ مَجَازًا كَانَ أَوْ حَقِيقَةً، أَلَا تَرَى أَنّهُ لَمّا ذَكَرَ الرّجْسَ كَيْفَ قَالَ: «لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ» الْأَحْزَابُ: ٣٣.
وَلَمْ يَقُلْ يُذْهِبُ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: «وَيُذْهِبَ عنكم رجز الشّيطان» الأنفال: ١١ تعليما لِعِبَادِهِ حُسْنَ الْأَدَبِ مَعَهُ، حَتّى لَا يُضَافُ إلَى الْقُدّوسِ سُبْحَانَهُ- لَفْظًا وَمَعْنًى شَيْءٌ مِنْ الْأَرْجَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ خَلْقًا لَهُ وَمِلْكًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute