. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشّهَادَةُ وَالشّهَدَاءُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَاتِ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ الّذِينَ سَمّاهُمْ اللهُ شُهَدَاءَ بقوله: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَهَذَا الِاسْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشّهَادَةِ أَوْ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الشّهَادَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى مَشْهُودٍ، أَيْ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، وَمَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنّةِ، أَمّا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، فَلِأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ وَقَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، أَيْ: أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ، وَقَالَ: عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ: لَهُمْ، لِأَنّ الْمَعْنَى: أَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ، وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ، فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الشّهَادَةِ وَتَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، لِأَنّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أَيْ: تَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ عَامّا فِي جَمِيعِ أُمّةِ مُحَمّدٍ- عليه الصلاة السلام- فَالشّهَدَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ، إذْ هُمْ تَبَعٌ لِلصّدّيقِينَ وَالنّبِيّينَ. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ فِي مَعْنَى الشّهِيدِ، إذَا جَعَلْته مُشْتَقّا مِنْ الشّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى: فَاعِلٍ أَيْضًا، لِأَنّهُ يُشَاهِدُ من ملكوت الله، ويعاين من ملائكته مالا يُشَاهِدُ غَيْرُهُ، وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، أَيْ: إنّ الْمَلَائِكَةَ تُشَاهِدُ قَبْضَهُ، وَالْعُرُوجَ بِرُوحِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلّهَا بِالصّحّةِ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ. مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنّةِ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا قَالَ: هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ، أَيْ: قَيّمٌ عَلَيْهِمْ بِالشّهَادَةِ لَهُمْ، وَإِذَا حُشِرُوا تَحْتَ لِوَائِهِ، فَهُوَ وَالٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute