للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ الْمَرْفُوعَ، وَفِيهِ أَنّ اللهَ جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءَ تَتَعَارَفُ عِنْدَ السّدْرَةِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ بِيضٍ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرّوَايَةَ قَوْمٌ، وَقَالُوا: لَا يَكُونُ رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَإِنّ ذَلِكَ مُحَالٌ، وَهَذَا جَهْلٌ بِالْحَقَائِقِ، فَإِنّ مَعْنَى الْكَلَامِ بَيّنٌ، فَإِنّ رُوحَ الشّهِيدِ الّذِي كَانَ فِي جَسَدِهِ فِي الدّنْيَا، يُجْعَلُ فِي جَسَدٍ آخَرَ كَأَنّهُ صُورَةُ طَائِرٍ، فَيَكُونُ فِي هَذَا الْجَسَدِ الْآخَرِ، كَمَا كَانَ فِي الْأَوّلِ، إلَى أَنْ يُعِيدَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا خَلَقَهُ، وَهَذِهِ الرّوَايَةُ لَا تُعَارِضُ مَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي صُوَرِ طَيْرٍ خُضْرٍ، وَالشّهَدَاءُ طَيْرٌ خُضْرٌ، وَجَمِيعُ الرّوَايَاتِ كُلّهَا مُتّفِقَةُ الْمَعْنَى، وَإِنّمَا الّذِي يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ قِيَامُ حَيَاتَيْنِ بِجَوْهَرِ وَاحِدٍ، فَيَحْيَا الْجَوْهَرُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَأَمّا رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَالِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِتَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ، فَهَذَا الْجَنِينُ فِي بطن أمّه وروحه


- ويقال المقتول: شهيد من حيث إنه بذل نفسه فى نصرة دين الله وشهادته له بأنه هو الحق، وما سواه باطل، وإذا كان من شهداء الله بهذا المعنى، كان من شهداء الله فى الآخرة. كما قال (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) البقرة: ١٤٣. وقال الأستاذ الإمام: الشهداء هم الذين أمرنا الله تعالى أن نكون منهم فى قوله: (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) وهم أهل العدل والإنصاف الذين يؤيدون الحق بالشهادة لأهله بأنهم محقون، ويشهدون على أهل الباطل أنهم مبطلون، ودرجتهم تلى درجة الصديقين، والصديقون شهداء وزيادة. وأقول- أى الشيخ رشيد رضا- إن الشهادة التى تقوم بها حجة أهل الحق على أهل الباطل، تكون بالقول والعمل والأخلاق والأحوال، فالشهداء هم حجة الله تعالى على المبطلين فى الدنيا والآخرة بحسن سيرتهم. تفسير المنار الآية رقم ٦٩ أو ٧١ من سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>