للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غَيْرُ رُوحِهَا، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا أَنْ لَوْ قِيلَ لَهُمْ: إنّ الطّائِرَ لَهُ رُوحٌ غَيْرُ رُوحِ الشّهِيدِ، وَهُمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، فَكَيْفَ، وَإِنّمَا قَالَ:

فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، أَيْ: فِي صُورَةِ طَيْرٍ خُضْرٍ، كَمَا تَقُولُ: رَأَيْت مَلَكًا فِي صُورَةِ إنْسَانٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ فِي ثَمَرِ الْجَنّةِ «١» تَأَوّلَهُ بَعْضُهُمْ مَخْصُوصًا بِالشّهِيدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنّمَا الشّهِيدُ فِي الْجَنّةِ يَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ، ثُمّ يَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلّقَةٍ فِي الْعَرْشِ، وَغَيْرُ الشّهِيدِ، مِنْ الْمُؤْمِنِينَ نَسَمَتُهُ، أَيْ: رُوحُهُ طَائِرٌ، لَا أَنّ رُوحَهُ جُعِلَ فِي جَوْفِ طَائِرٍ، لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، كَمَا فَعَلَ بِالشّهِيدِ لَكِنّ الرّوحَ نَفْسَهُ طَائِرٌ يَعْلَقُ بِشَجَرِ الْجَنّةِ، يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللّامِ يَنْشَبُ بِهَا، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا، وَمَنْ رَوَاهُ: يعلق فمعناه يصيب العلقة، أى ينال منها مَا هُوَ دُونَ نَيْلِ الشّهِيدِ، فَضَرَبَ الْعَلَقَةَ مَثَلًا، لِأَنّ مَنْ أَصَابَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمّنْ أَدْرَكَ الرّغَدَ، فَهُوَ مِثْلُ مَضْرُوبٍ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى.

وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِيَعْلَقُ «٢» الأكل نفسه، فهو مخصوص بالشهيد، فتكون


(١) رواه أحمد عن الشافعى عن مالك.
(٢) العلقة بضم العين وسكون اللام: ما يتبلغ به من الطعام والمركب. وفى اللسان: تعلق- بفتح- التاء وضم اللام- من ثمار الجنة: تناول بأفواهها وهو تفسير الأصمعى، وفى النهاية لابن الأثير: تعلق بضم اللام أيضا، وقال: أى تأكل، وهو فى الأصل للابل إذا أكلت العضاه، فنقل إلى الطير. وما أعد الله للشهداء هو من علم الغيب الذى هو لله وحده فلنتحر فى حديثنا عنه الخبر الصادق الذى لا ريب فيه. هذا وفى حديث الشهداء شىء من الاضطراب كما يقول الشيخ رشيد- رضا فى تفسير المنار- ففى رواية مسلم والترمذى من حديث ابن مسعود-

<<  <  ج: ص:  >  >>