للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَصْلُهَا مِنْ الْقَطّ، وَهُوَ الْقَطْعُ، ثُمّ خُفّفَتْ وَأُجْرِيَتْ مَجْرَى الْحَرْفِ، وَكَذَلِكَ قَدْ بِمَعْنَى قَطْ هِيَ أَيْضًا مِنْ الْقَدّ، وَهُوَ الْقَطْعُ طُولًا، وَالْقَطّ بِالطّاءِ هُوَ الْقَطْعُ عَرْضًا، يُقَالُ: إنّ عَلِيّا- رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ إذَا اسْتَعْلَى الْفَارِسَ قَدّهُ، وَاذَا اسْتَعْرَضَهُ قَطّهُ، وَلَمّا كَانَ الشّيْءُ الْكَافِي الّذِي لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ يَدْعُو إلَى قَطْعِ الطّلَبِ، وَتَرْكِ الْمَزِيدِ جَعَلُوا قَدْ وَقَطْ تُشْعِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَإِذَا ذَكَرْت نَفْسَك قُلْت: قَدِي وَقَطِي، كَمَا تَقُولُ:

حَسْبِي، وَإِنْ شِئْت أَلْحَقْت نُونًا، فَقُلْت: قَدْنِي، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سُكُونِ آخِرِهَا فَكَرِهُوا تَحْرِيكَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ، كَمَا كَرِهُوا تَحْرِيكَ آخِرِ الْفِعْلِ، فَقَالُوا ضَرَبَنِي، وَكَذَلِكَ كَرِهُوا تَحْرِيكَ آخِرِ لَيْتَ فَقَالُوا لَيْتَنِي، وَقَدْ يَقُولُونَ:

لَيْتِي وَهُوَ قَلِيلٌ، وَقَالُوا لَعَلّنِي وَلَعَلّي، وَقَالُوا مِنْ: لَدُنّي فَأَدْخَلُوهَا عَلَى الْيَاءِ الْمَخْفُوضَةِ بِالظّرْفِ كَمَا أَدْخَلُوهَا عَلَى الْيَاءِ الْمَخْفُوضَةِ بِمِنْ وعن، فعلوا هذا وقاية لأواخر هذه الْكَلِمِ مِنْ الْخَفْضِ وَخَصّوا النّونَ بِهَذَا؛ لِأَنّهَا إذَا كَانَتْ تَنْوِينًا فِي آخِرِ الِاسْمِ، آذَنَتْ بِامْتِنَاعِ الْإِضَافَةِ، وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الّتِي سَمّيْنَا تُشْعِرُ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْخَفْضِ، وَتُشْعِرُ فِي الْفِعْلِ وَالْحُرُوفِ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْإِضَافَةِ أَيْضًا، لِأَنّ الْحَرْفَ لَا يُضَافُ، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ مَعَ أَنّ النّونَ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِضْمَارِ فِي فَعَلْنَا، وَفَعَلَنَا فِي ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، فَأَمّا قَدْ وَقَطْ فَاسْمَانِ، وَكَذَلِكَ لَدُنْ، وَلَكِنْ كَرِهُوا تَحْرِيكَ أَوَاخِرِهَا لِشَبَهِهَا بِالْحُرُوفِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَوْضِعُ نِيّ مِنْ قَوْلِهِ قَطْنِي؟ قُلْنَا: مَوْضِعُهَا خَفْضٌ بِالْإِضَافَةِ، كَمَا هِيَ فِي لَدُنّي. فَإِنْ قُلْت:

كَيْفَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ وَالْمَنْصُوبِ فِي ضَرَبَنِي وَلَيْتَنِي، ثُمّ تَقُولُ إنّهَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ؟ قُلْنَا: الضّمِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْيَاءُ وَحْدَهَا فِي الْخَفْضِ والنصب،

<<  <  ج: ص:  >  >>