للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هداية الإنسان إلى طريق الحق لا تكون دائمًا بجدوى الأدلة الصحيحة، وقوتها ووجاهتها. فكم من شخص قد أبدى وجاهة الأدلة التي يناقش بها، وإنه لا يجد وسيلة لدفعها أو ردها، ومع ذلك لا تستسلم نفسه ولا يخضع عقله وقلبه لما أفحم به، بل يبقى على كفره وإلحاده.

وربما صادفته حادثة معينة في حياته كانت سببًا لإيمانه والتزامه بدعوة الحق.

- لقد آمن بعض المشركين في صدر الإسلام لأسباب لا تحصى.

فمنهم من آمن لأنه اطلع من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على جوانب مشرقة -وكل سيرته تشرق ضياء وحقًا عليه الصلاة والسلام- ما حمله على إعلان كلمة التوحيد وأن يشهد شهادة الحق، فقد قال أحدهم: لقد رأيت محمدًا لا يدعو إلى شيء إلا ويكون أول العاملين به، ولا ينهى عن شيء إلا ويكون أول المجتنبين له.

- وآمن بعضهم لما حدثه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشرق للإسلام وانتشار الأمن والطمأنينة في المجتمع الإسلامي، ووفرة المال بين الأيدي، وفتح البلاد المزدهرة "كمدائن فارس" على أيدي المسلمين -حادثة سراقة بن مالك١، وعدي بن حاتم٢.

أو بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأمر غيبي كما حدث لعمير بن وهب، عندما جاء لاغتيال رسول الله في المدينة بعد "بدر" وتحمل صفوان بن أمية ديونه وتكفل عياله، وقد جاء متظاهرًا بفداء ابنه "وهب"٣.

- وآمن بعضهم لأن رسول صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

- وآمن بعضهم لأنه عندما قتل أحد الصحابة، وفي لحظة لا يمكن أن يكون فيها المرء إلا صادقًا مع نفسه قال ذاك الصحابي: "فزت بها ورب الكعبة"٤.


١ انظر: السيرة النبوية لابن هشام: ٢/ ٢٣٣.
٢ انظر تفصيل ذلك في: السيرة النبوية لابن هشام: ٤/ ٢١٢.
٣ السيرة النبوية لابن هشام: ٣/ ٧١.
٤ انظر ذلك في: ترجمة "جبار بن سلمى" في أسد الغابة لابن الأثير: ١/ ٣١٥.

<<  <   >  >>