للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟

فأقبلا حتى قدما على قريش فقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد؟ فجاءوا رسول الله فسألوه فقال: "أخبركم غدًا بما سألتم عنه" -ولم يستثن- فانصرفوا، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله في ذلك إليه وحيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الآية١.

وهذه الرواية وإن تكلم بعضهم في سندها وأن فيها رجلًا مجهولًا، فإن واقع السورة وما ورد فيها من صيغ الاستفسار منهم كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} وقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} وقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . كل ذلك يؤكد حادثة الاستفسار من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتية وعن الرجل الطواف، وعن نسيان ذكر المشيئة.

وأورد السيوطي في لباب النقول: قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمة بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبو البختري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلال قومه إياه وإنكارهم ما جاء من النصيحة، فأحزنه حزنًا شديدًا فأنزل الله تعالى:

{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} ٢.


١ انظر: تفسير الطبري: ١٥/ ١٢٨. وانظر: السيرة النبوية لابن هشام: ٢/ ٣٩، ولباب النقول للسيوطي: ١٥٥.
٢ لباب النقول للسيوطي: ١٥٦.

<<  <   >  >>