للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قريش في أصل التوجه بالسؤال. وفيما يلي تفصيل ذلك:

إن قريشًا لم تكن بحاجة إلى مثل هذا السؤال والاستفسار للتأكد من صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فإن محمدًا قد عاش بينهم وليدًا وترعرع في ديارهم شابًا يافعًا ثم كهلًا، وهم أعرف الناس بشئونه كلها، وينبغي أن يكونوا المرجع العدل الذي يرجع إليه الناس في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الحقيقة برزت على ألسنة بعض زعمائهم في لحظات وعي وتعقل:

قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: قال النضر بن الحارث فقال: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها: هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم١.

كان هذا حديث أحد زعمائهم عن شخص محمد صلى الله عليه وسلم، وكان حدث آخر منهم عن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم:

"والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمغدق أسفله وإنه لمثمر أعلاه، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته وما هو بقول بشر"٢.

كانت تلك شهادة حق من الوليد بن المغيرة في لحظة صدق مع نفسه.

فعلى الرغم من إدراك القوم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق دعوته كانوا يحاولون طمس نور الحق بأي وسيلة يتمكنون منها، وكانوا يصرون على موقفهم المعادي


١ سيرة ابن هشام مع حاشية الروض الأنف: ٢/ ٣٨.
٢ سيرة ابن هشام مع حاشية الروض الأنف: ٢/ ١٢ مع اختلاف في الألفاظ.

<<  <   >  >>