والآية كالجسر بين المقطعين فطرفها الأول في المقطع السابق يتعلق بالإخبار بحقيقة مكوث أصحاب الكهف، وأنه لا يلتفت إلى أقوال الفئات المتنازعة في شأنهم، فعند الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض العلم الحقيقي، واتل ما أنزل عليك في شأنهم، يا محمد من أمور الغيب واستمسك به وبالهدايات التي ترد إليك، ومن هذه الهدايات الصبر مع المتقين المخلصين، وعدم الاغترار بالمظاهر الزائفة والأقوال الخادعة من زعماء الشرك فإنما يزينون لك الحياة الدنيا وقد علمت قيمتها الحقيقية. وهو الطرف الآخر من الجسر إلى المقطع الثاني.
٤- يضاف إلى هذه المناسبات ما تقدم في مبحث المناسبة بين المقاطع وبين هدف السورة وقد ذكرنا هناك أن سوق هذه القصة بمثابة التقريع والتوبيخ لزعماء قريش الذين أهملوا عقولهم وأغفلوا معرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقه ونزاهته وأمانته وأرسلوا إلى اليهود ليعطوهم ما يتحققون به من صدق محمد في دعوته.
فسيق لهم هذا المثل أن من غفل قلبه عن ذكر الله واتبع هواه وكانت قيمه التي يحتكم إليها المال والجاه ضل ضلالًا بعيدًا، ولم يهتد إلى بدائه العقول وإلى نور الفطرة فلا ينظر إلى الأمور إلا بمنظار الغنى المادي وكثرة الرجال وعلو الجاه والمنزلة بين الناس.
فطغيانهم المادي واختلال الموازين والقيم عندهم هو الذي دفعهم إلى هذا التصرف فضرب لهم المثل لبيان الحقائق.