للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفوجئ الناس بوضع الموازين القسط وعرض الكتاب، إنه صحائف الأعمال في الحياة الدنيا التي خلفوها وراء ظهورهم، لقد مضت كالسراب بزخارفها ومآسيها وآثامها وغرورها ومتعها، ولم يبق منها سوى "الباقيات الصالحات".

لقد رأى المجرمون جرائرهم ويستعرض أمامهم شريط الأقوال والأفعال وخطرات السوء، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: ١٣-١٤] .

لا مجال للإنكار. فقد ردوا أيديهم في أفواههم مستغربين مدهوشين {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} .

لا مجال للتظلم، فقد وضحت الحقائق، وأقيمت الحجج، وأدلى الشهود العدول من الجوارح والأعضاء بشهاداتهم، وهم يدركون شعار الحق {لا ظُلْمَ الْيَوْم} [غافر: ١٧] .

لم يكن تباكيهم على وقوع الظلم عليهم أو احتمال وقوعه، ولكن دعاؤهم بالويل والثبور على أنفسهم كان مما وجدوا في الكتاب من حصر شامل لمخازيهم {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} لم يترك الكتاب صغيرة مما كانوا يعتبرونها من محفرات الأعمال: فربما تكلم الرجل بكلمة من سخط الله أهوت به في نار جهنم١.

ولربما كانوا يلهون ويلعبون ويستهزئون ويضحكون، وهم غافلون، فاليوم يقال لهم: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] .

وهذا التعقيب مناسب لما تقدم في المقطع السابق من موقف زعماء قريش من فقراء الصحابة، كما أنه منسجم مع أحداث المحاورة بين صاحب الجنتين وصاحبه المؤمن المعتز بإيمانه.

وتأتي بعد ذلك لفتة لأصل الغواية، لمعرفة جذور الداء، وأصول هذه الضلالة


١ انظر: صحيح البخاري كتاب الرقاق: ٧/ ١٨٥.

<<  <   >  >>