للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- والعبد الصالح ما حقيقته؟ أنبي مرسل، أو ولي مكرم، أو عالم مطلع؟ وما المدة التي قضياها مصطحبين؟ وما وجهته ومصيره بعد الفراق؟ وجو الغموض والمفاجآت الذي يلف القصة من أولها إلى آخرها ملائم تمامًا للهدف منها، يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في هذا الصدد: إن القوى الغيبية لتتحكم في القصة منذ نشأتها، فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود، فمضى في طريقه، ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة، وكأنما نسيه ليعودا فيجد هذا الرجل هناك.

"ولم ينبئنا القرآن باسم الرجل تكملة للجو الغامض الذي يحيط بنا، وما قيمة اسمه؟ إنما يراد به أن يمثل الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة، فعدم ذكر اسمه يتفق مع الشخصية المعنوية التي بمثلها"١.

وبعد أن يكشف الرجل ستر الغيب عن تصرفاته ليبرز الحكمة من ورائها يختفي من السياق كما بدا، لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول فالقصة تمثل الحكمة الكبرى، وهي لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار ثم تبقى مغيبة في علم الله وراءه الأستار.

ولولا أن السنة النبوية الشريفة أكملت جوانب وألقت الأضواء على بعض التفصيلات لما وجدنا إلى العلم الصحيح بها سبيلًا.

لذا أرى من اللزام علي أن أسرد ما ذكرته السنة الصحيحة في هذا الشأن لنستعرض بعد ذلك العرض الإجمالي لمعاني الآيات الكريمة.

جاء في صحيح البخاري ... عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا٢ البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ليس هو موسى صاحب


١ في ظلال القرآن: ٤/ ٢٢٨١ باختصار وتصرف.
٢ نوف البكالي: أحد القصاص بالكوفة، وهو ابن امرأة كعب الأحبار، وكان يروي عن كعب الإسرائيليات.

<<  <   >  >>