للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه ثلاثة جوانب:

أولها:

إثبات بشرية هؤلاء الأنبياء وأنهم وإن بلغوا قمة الكمالات البشرية فلا تزول عنهم صبغة البشر المخلوق الذي تتنازعه الطاقات والقوى المودعة فيه، فإن صلتهم بالملأ الأعلى، وسعيهم الحثيث لتطبيق ما يوحى إليهم والمسارعة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى يجعل منهم قدوة لأتباعهم في الإيمان والعمل الصالح، إلا أن دواعي الحاجة الإنسانية من طعام وشراب وسير في الأسواق للكسب والمعاش، وعدم الاطلاع على الغيب ومستقبل الأيام وما يعتورهم من مرض ونسيان وضعف في القوى الجسمية كل ذلك يؤكد بشريتهم فلا يستطيعون النجاة منها، وإلى هذا الجانب أشار القرآن الكريم في دحض شبهة من زعم أن عيسى وأمه إلهين من دون الله. {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: ٧٢-٧٥] .

فبلوغ الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه الدرجات العليا من القربى والطاعة لا تخرجهم عن طبيعة البشر ولا يجوز اتخاذهم شركاء مع الله سبحانه وتعالى.

وقد ضلت الأمم السابقة في هذا الأمر فاختلطت عليهم المقاييس، فبلغ من تقديسهم لأنبيائهم وصالحيهم أن عبدوهم من دون الله، كما فعلت النصارى فضلوا وأضلوا.

وأبرزت بعض الأمم جانب البشرية فيهم وضخمته ونفت عنهم المزايا التي يتميزن بها عن غيرهم، فنسبت إليهم كل نقيصة ظلمًا وزورًا فضلوا وأضلوا، كما فعل اليهود في سير أنبيائهم. والمنهج العدل أن يعتقد في اصطفائهم من البشر لحمل رسالة ربهم وتبليغها إلى الناس على خير وجه، وصلتهم بالملأ الأعلى وتلقيهم عن طريق الوحي إليهم. وهي مكانة لا تدانيها مكانة غيرهم من البشر.

إلا أنهم يبقون من البشر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .

فوجود النسيان والسهو من بعض الأنبياء تأكيد لهذا الجانب، من غير أن يؤثر على مكانتهم الرفيعة عند ربهم ومولاهم جل جلاله.

<<  <   >  >>