للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في دنياه، وفي توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم "عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرًا له" ١.

ولا يعترض معترض: إن الغلام لا يطلق إلا على من كان دون سن البلوغ، فكيف يحكم بكفره؟ وقد ذهب جمهور أهل السنة والجماعة إلى أن الأطفال دون البلوغ، لا يوصفون بالكفر والإيمان حقيقة، وأنهم إذا ماتوا دون البلوغ كانوا من أهل الجنة، على خلاف في التفاصيل الفرعية بينهم؟!

أقول إن قول أهل السنة والجماعة تظاهره النصوص الكثيرة، وهو حكم عام وقاعدة أساسية، ولكن ما استثناه الدليل من القاعدة العامة يؤخذ به أيضًا، وقد ورد الدليل الصحيح أن الغلام قد طبع يوم طبع كافرًا، ولما أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأن كل مولود بعد ذلك، أو كان موجودًا ولكنه لم يبلغ الحلم هو كافر، عمم الدعاء عليهم، وحكم بكفرهم جميعًا.

{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٦، ٢٧] . إن النص يقطع دابر الاجتهاد والاختلاف، فلا اجتهاد في مورد النص.

إذن فوجه المصلحة في الحادثة واضحة، وكان هذا القتل للغلام أكبر تكريم للأبوين الصالحين، وكان في نفس الوقت رحمة بهما وشفقة على حالهما، لأنهما لو أطلعا على حقيقة حال الغلام، فلربما كلفا بقتله بأيديهما، وفي ذلك من الإصر والشدة ما فيه.

{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} .

لقد كان الجدار لغلامين صغيرين فقدا حنان الأب ورعايته منذ الصغر، وكانا وديعتين لأب صالح استودعهما الله سبحانه وتعالى الذي لا تضيع ودائعه، وكان تحت الجدار كنز لهما، وكان الجدار آيلًا للسقوط، ولو ترك يسقط وحال الغلامين


١ انظر مسند الإمام أحمد ٣/ ١١٧.

<<  <   >  >>