للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على التفلت من ظواهر أحكام الشريعة وادعوا أنها خاصة بالأنبياء والعوام، أما الخاصة من الأولياء، فإنهم تتجلى لقلوبهم التي خلت من الأغيار الحقائق، فيتصرفون على ضوء هذه الحقائق ولا يتقيدون بالظواهر، ويستدلون على زندقتهم بأفعال الخضر التي كانت مخالفة لظواهر الشريعة.

وأجمع العلماء على أن مثل هذا القول كفر وزندقة وهذا يقتل قبل أن يستتاب أو تعرض عليه التوبة، فإن أصر قتل، على خلاف في ذلك.

يقول الإمام القرطبي: "وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب، لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] ، وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل، بحيث يستغني عن الرسل فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول، وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام: "إن روح القدس نفث في روعي" ١ الحديث٢.


١ انظر: كلام القرطبي في تفسيره: ٥/ ٤٠٨٠.
٢ وانظر حديث "إن روح القدس نفث في روعي" في مجمع الزوائد للهيثمي: ٤/ ٧٢ وعزاه إلى الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة.

<<  <   >  >>