للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هجمات تلك القبائل الهمجية المفسدة، قبائل يأجوج ومأجوج التي كانت تشن عليهم هجماتهم من خلف الجبلين المتقابلين من الممر الضيق الذي بينهما وذلك بإقامة سد بين الصدفين١، مقابل خراج يدفعونه إليه من أموالهم.

ونظرًا لأن القضية التي وضعها ذو القرنين نصب عينيه هي الإصلاح ومقاومة الفساد والشر، والحكم بالعدل بين الناس، ولم يكن همه جمع المال أو قصد العلو في الأرض بإذلال الشعوب، فقد رفض عرضهم، وتطوع بإقامة السد على أن يتطوعوا هم من جانبهم بتقديم الجهد البشري، فمنه الخبرة والتصميم والإشراف، وعليهم الطاقة العمالية والمواد الأولية المتوافرة في بلادهم.

وكان أيسر طريق لإقامة السد هو ردم ما بين الجبلين أولًا بفلزات الحديد الذي تتخلله قطع الفحم والخشب، حتى إذا تساوت قمة الحديد بقمة الجبلين المتقابلين، أمر بالنفخ لإيقاد النار بالحطب الذي يتخلل الفلزات لتسخين الحديد، حتى إذا جعله نارًا لشدة احمراره وتوهجه أفرغ عليه النحاس المذاب يتخلل الحديد ويختلط به فيصبح قطعة واحدة وكتلة متماسكة وجدارًا أملس بين الجبلين.

وهكذا حقق الأمن والطمأنينة لهؤلاء القوم المتخلفين، فلم تستطع قبائل يأجوج ومأجوج تسور الرد ولم يستطعوا ثقبه والنفاذ من خلاله٢.

ولما أنجز ذو القرنين هذا العمل الضخم الرائع، لم تأخذه نشوة البطر والغرور بل أعاد النعمة إلى مسديها، نعمة العلم والخبرة إلى واهبها، ونعمة التوفيق للعمل الصالح إلى الذي مكن له في الأرض، {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} .

ومن إيحاء هذا الموقف العظيم وهو يطل على البناء الشامخ ومن ورائه أفواج قبائل يأجوج ومأجوج المتلاطمة وهي لا تستطيع القلب ولا النقب تذكر مصير


١ الصدفان: الجبلان: المتناوحان أي المتقابلان، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان للاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر. تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١١/ ٦١.
ونسبه لابن عطية.
٢ سنعود إلى الحديث عن ذي القرنين، والسد، ويأجوج ومأجوج في مباحث مستقلة.

<<  <   >  >>