للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولإلقاء الضوء على الموضوع نذكر الحديث أولًا ثم نرى معنى الآية ثانيًا: روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه١ في سننهما عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله فيستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخروجون على الناس" الحديث.

يقول ابن كثير في تفسيره تعقيبًا على الحديث:

وهذا إسناد جيد قوي ولكن في رفعه نكارة، لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته، ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار، أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه، ويقولون غدًا نفتحه ويلهمون أن يقولوا: إن شاء الله، فيصبحون وهم كما فارقوه فيفتحونه، وهذا فتحه.

ولعل أبا هريرة تلقاه عن كعب فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه. والله أعلم٢.

فإذا لم يصح رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إشكال عندئذ لأن سياق الآيات الكريمة يدل على أن ذا القرنين بنى السد وأحكمه وبعد أن تم ذلك {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} . في ذاك الوقت، ثم جاء الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى على لسان ذي القرنين لأنه وفقه إلى بناء هذا السد وحماية الأقوام المستضعفين الذين كانوا مطمع قبائل يأجوج ومأجوج. فتركزا يموج بعضهم في بعض وهم لا يستطيعون تسلق السد ولا نقبه٣، ثم اسدل الستار على


١ مسند الإمام أحمد ٢/ ٥١٠؛ سنن الترمذي كتاب التفسير ٤/ ٣٧٥؛ سنن ابن ماجه كتاب الفتن ٢/ ١٣٦٤.
٢ تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٥.
٣ في التعبير بكلمة "ما" في قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} دلالة دقيقة. وهي أن "ما" لنفي الحال، بينما "لن" لنفي المستقبل القريب، و"لا": لنفي المستقبل البعيد. انظر البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني ١٩٣.
فنفى استظهار السد ونقبه في الحال -أي حال إتمام بنائه- ولم يتعرض للمستقبل.

<<  <   >  >>