للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثمانون سورة بمكة وإنما أنزلنا بالمدينة؟ فقال: قدمنا وألف القرآن على علم ممن ألفه به ومن كان معه فيه واجتماعهم على علمهم بذلك فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه١.

ومما استدل به الجمهور على أن ترتيب السور في المصحف توقيفي قول عبد الله بن مسعود، في بني إسرائيل والكهف ومريم: "إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي"٢ أي من قديم ما أنزل، وقد ذكرها بالترتيب الوارد في المصحف.

كما أن الجمع بين السور المتشابهة في فواتحها مرة، والتفريق بينها مرة أخرى يدل على أن ذلك لم يكن عن اجتهاد، فقد وردت السور المبدوءة بـ"حم" وتسمى آل حاميم أو الحواميم مجتمعة في مكان واحد، بينما فرقت المسبحات، وهي السور التي تبدأ بـ"سبح، يسبح، سبح، سبحان" والمنطق البشري يقتضي التوحيد في الجميع أو التفريق في الجميع.

لقد عرف عن الصحابة رضوان الله عليهم حرصهم الشديد على حفظ القرآن الكريم، وكل ما يتعلق بشئونه؛ وقد وقف أبو بكر مترددًا في قضية جمعه في مكان واحد عندما اقترح عمر بن الخطاب ذلك بعد حروب الردة خشية استشهاد القراء وضياع شيء مما كتب عليه، وكذلك كان تردد زيد بن ثابت عندما أسندت إليه المهمة، وكل منهما يقول: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم٣؟

فكيف يتم ترتيب المصحف باجتهاد عثمان بن عفان ومن معه، ولا يسمع صوت واحد يعترض عليهم في ذلك؟ اللهم إلا أن يكون عن علم منهم جميعًا أن ترتيب السور في المصحف بهذا الشكل كان معلومًا للجميع أنه بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا سُلِّم هذا فلننظر إلى أنواع الروابط بين سور القرآن الكريم، ولنضرب لذلك أمثله موضحة.


١ الإتقان للسيوطي: ١/ ٨٤.
٢ رواه البخاري، كتاب التفسير: ٥/ ٢٢٣.
٣ انظر الحديث في: صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن: ٦/ ٩٨.

<<  <   >  >>