للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- أو الخذلان والتشرد في الأرض على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو أتباعهم:

{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١] .

٣- وإن بقي المكذبون برسالة الرسول فترة فهي فترة محدودة ريثما يستكمل أهل الإيمان مقومات استحقاق النصر في نفوسهم، والعاقبة للمتقين فمآل هذه الحالة إلى إحدى الحالتين السابقتين أو الدخول في دعوة الخير والفلاح.

وتهمنا الحالة الثانية حالة التشرد والتمزق بعد انتصار دعوة الحق، فكثيرًا ما يفر المعاندون الصادون عن دعوة الحق فيلحقون شعاف الجبال وبطون الأودية والغابات النائية هربًا من سيف الحق، وعلى مر الأيام والسنين يطرد الضياع وتتباين الأهواء ويشتد التمزق في نفوسهم بين إلحاح الفطرة التي تعرض إبراز الخضوع والتدين في حياتهم، وبين النزوات الضالة المنحرفة فتوجد هذه المظاهر التعبدية المنحرفة من عبادة الآباء والأشجار والظواهر الطبيعية.

فليست الفطرة بحال من الأحوال هي الداعية إلى هذه الأشكال المنحرفة، بل البيئة والظروف والتأثر بالمنحرفين هي التي توجد الاتجاهات الضالة، وخير مثل في ذلك قصة عمرو بن لحي الذي أدخل عبادة الأصنام في جزيرة العرب حيث لم يكن الناس قبله يفكرون بمثل هذه الضلالة.

فإذن حالة الشرك والوثنية والانحراف حالة طارئة وهي الحالة الناشئة عن التخلف والعزلة ونتيجة لفرار من نور الحق.

هذا هو منهج القرآن في بيان هذه الحقيقة التي انحرف عنها الماديون المعاصرون، الذين ظنوا أن الإنسان هو الذي يوجد معتقده ويطوره حسب مراحل حياته الاجتماعية وحسب وسائله المدنية التي يستخدمها في حياته المعاشية.

إن هناك تباينًا تامًا بين الإدراك العقلي المستهدي بنور الوحي الإلهي، وبين المدركات العقلية المستمدة من الأهواء البشرية.

<<  <   >  >>