ولذلك تسمى الخطابة الفن العملي كما تسمى الفن الكامل لجمعه -في الإلقاء- بين شخصيتي الخطيب الحسية والمعنوية، ولاستخدامه جميع مواهب السامعين؛ فإن الخطيب يستخدم جسمه في الخطابة؛ فيشير بيديه، ويحرك رأسه، ويشكل أسارير وجهه. وكل هذه الحركات عنصر هام في التأثير الخطابي، حتى إذا قرئت الخطابة مكتوبة كانت فاقدة هذا العنصر الجسماني، مع صوت الخطيب، وحسن إلقائه. فيذهب شيء من روعتها وقوتها الإنشائية.
وعلى هذا الأساس من طبيعة الفن الخطابي نستطيع تمييز أسلوبه بما يلي:
١- الصفة العامة للأسلوب الخطابي هي القوة. ومصدرها الأول انفعال الخطيب. وقوة عقيدته ويقينه بما يقول. ثم تظهر في عباراته المسجوعة أو المزدوجة وكلماته المؤثرة الجزلة لتكون موسيقى قوية. على تفاوت في ذلك. يقول زياد في مطلع خطابته:"أما بعد فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء. والغي الموفى بأهله على النار. ما فيه سفهاؤكم. ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير".
٢- التكرار المعنوي جائز في الخطابة لتثبيت الأفكار في الأذهان، وتمكين السامعين من الفهم، والقوة والتأثير. ولكن لا بد من تغيير العبارات كما رأيت في المثال السابق إذ الفكرة الواحدة وردت في عدة جمل. وكما رأيت عند علي. وكقول زياد:"أتكونون كمن طرفت عينيه الدنيا. وسدت مسامعه الشهوات. واختار الفانية على الباقية؟ ".
٣- يختلف الأسلوب فيكون خبرًا. وأمرًا. ونهيًا. واستفهامًا. وتفجعًا. حتى لا يكون رتيبًا. وليمثل الانفعالات اللازمة للخطابة، والتي تمتلئ بها نفس الخطيب. يقول زياد: "ما أنتم بالحلماء ولقد تبعتم السفهاء. فلم يزل بكم ما ترون