ومع ذلك ينبغي ألا ننسى أن المرجع الأول لهذين النوعين من اختلاف الأسلوب هو نفس الإنسان، وما يعرض له من دواع ينشئ فيها الأدب، فإذا أردنا بيان ذلك في الفنون الأدبية رأينا أن الأديب نفسه يعتمد على عقله، ليشرح نظرية علمية، أو مسألة اجتماعية، أو قاعدة قانونية؛ فهو في هذه الحالة منشئ المقالة "كاتب" ومرة أخرى نجده نفسه منفعلًا ثائر العاطفة يتغنى آماله وآلامه بهذه اللغة الموسيقية الخاصة فإذا هو شاعر، ومرة ثالثة يلجأ إلى العقل والعاطفة معًا للإقناع والتأثير مستعينًا جسمه ومظهره الحسي فيكون خطيبًا، وأسلوبه الكتابي يخالف الشعري، وكلاهما غير الخطابي، وهكذا تتشكل النفس أشكالًا شتى، فتصدر عنها فنون متباينة لكل أسلوبه الخاص وغايته الممتازة، فالشخص واحد والفن مختلف.
٢- وإذا رأينا بيان ذلك بالنسبة للأديب عكسنا الوضع فالفن واحدة، ولكل الأشخاص يتعددون. وبذلك نجد لهؤلاء الأدباء آثارهم المتباينة في تكييف الأسلوب تبعًا لما يمتاز به كل أديب في عقله وشعوره وخلقه وثقافته ومذهبه في الحياة، وبناء على ذلك يستطيع قراء الأدب أن يتبينوا في الفن الواحد، وفي الموضوع الواحد من الفن أساليب مختلفة في الكلمات، والصور، والعبارات، وفي طرق التفكير، ولون المزاج، ومستوى الرقي والتهذيب.
وخلاصة ما ذكر هنا تنتهي إلى أمرين اثنين:
الأول: أن مقتضى الحال -أو الدواعي- يحمل الإنسان على اختيار الفن الأدبي الذي يؤدي به ما يشاء: رسالة، أو مقالة، أو خطابة، أو قصيدة فيسلك في أسلوبه مسلكًا خاصا هو هذه العبارات اللفظية التي تلائم فنه. وقد مضى القول في ذلك.
الثاني: أن الأديب في حدود هذا الفن، ومع التزامه خواصه الأدبية