العامة يطبع الأسلوب طابعًا آخر ممتازًا، وخاصًّا به هو بحيث لا يتوافر لصاحبه في نفس الفن أو الموضوع، وبذلك يتحقق للأسلوب ميزتان: ميزة عامة من حيث هو خطابة أو شعر أو كتابة، وميزة خاصة من حيث هو أثر لأديب ممتاز؛ فالخطابة لها خواصها الأسلوبية العامة التي ذكرت، وخطابة الحجاج لها فوق الخواص العامة، ما يمتاز به الحجاج في مزاجه، وخلقه، ومذهبه في الحكم وكلماته، وعباراته.
والشعر كذلك ذو أسلوب مميز بالوزن والقافية والموسيقى وغيرهما، ولكن المتنبي مثلًا في أسلوبه -زيادة على ذلك- خواص في التفكير والتعبير والسلوك تفرقه عن أبي تمام والبحتري والمعري.
وللكتابة أسلوب خالٍ من قيود الشعر وتقاليد الخطابة، أما الجاحظ مثلًا فيمتاز مع ذلك بلوازم في تعبيره وتصويره وإسهابه، لا تراها عند البديع مثلًا، ولا ابن العميد، ولا ابن خلدون، والأمر واضح في الكتَّاب المعاصرين، فكل من طه حسين، وأحمد أمين، والعقاد، والمازني، والبشري، له ميزاته في تفكيره وتعبيره، وطريقة عرضه الآراء، وطابع أسلوبه العام من الوضوح والقوة والجمال.
٣- على أن هذه الميزات -أو الشخصية الأدبية- لا تكون فردية فقط بل تكون كذلك اجتماعية. فنجد العصر الواحد من العصور الأدبية له طوابع عامة شائعة بين أدبائه. منها تتكون ميزاته الأدبية، أو شخصيته الأسلوبية التي يخالف بها سائر العصور. ونجد الشعب الواحد له خواصه الأدبية التي تفرقه من آخر يوافقه في لغته، وجنس أدبه.
فالعصر الجاهلي له شخصيته الأدبية التي تتلخص في أنها صحراوية بدوية. خشنة، جاهلة، مضطربة، ذكية، تعتمد على الحس أكثر من غيره. وتشتق عناصرها الخيالية من المفاوز العريضة، والجبال الشماء والوعول الممتنعة، والظباء