وذلك مشاهد بيننا الآن، فالأدب العربي يعيش الآن في مصر، والشام، والعراق، والمغرب، وبلاد العرب، ومهاجر أمريكية، ومع ذلك نجد في كل من هذه الأقطار يخضع لثقافة أهله وبيئتهم، وأحوالهم السياسة والاجتماعية ودرجتهم في الرقي، ويتأثر أسلوبه اللفظي بذلك إلى حد كبير. ولعل الأسلوب في مصر أقواها وأبرها وأخصبها جميعًا، لما أتيح لها من معاهد كبيرة، ومكتبات كثيرة، ودراسات منظمة، وعناية بالثقافة شاملة.
أما اللغات العامية في هذه الأقطار فالاختلاف فيها أوضح وأوسع مدى، لخضوعها للحياة الموضعية، واختلاف الطارئين على كل قطر، وتباين نظام الحياة ومشاهدها، وعدم خضوعها لوحدة عامة مشتركة بين هذه الشعوب، ولولا هذه اللغة الفصيحة العامة التي توحد بين الأساليب العربية في التأليف العلمي والإنشاء الأدبي لكان اختلاف الأدب قويا ولضعف التفاهم بين المتأدبين كما ضعف بين العوام في هذه البلاد المتباينة.
نعم، نجدنا الآن أمام دعوة لتحقيق الوحدة العربية الثقافية أو الأدبية، وعندي أن هذه الوحدة ستتم بسرعة بتأثير المطبعة والإذاعة، وتقارب مناهج التعليم، وكثرة البعوث العلمية؛ ولكن ذلك لن يمحو أبدًا مظاهر الأدب الإقليمية إلا إذا اتحدت مواهب هذه الشعوب العربية وبيئاتهم.