للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم ... ويكره الله ما تأتون والكرم

ما أبعد العيب والنقصان من شرفي ... أنا الثريا، وذان الشيب والهرم١

هذا عتابك إلا أنه مقة ... قد ضمن الدر إلا أنه كلم٢

موضوع القصائد واحد، وهو العتاب، والأصل فيه تصوير الوفاء والبقيا على ماضي الصداقة، ثم الأسف والاستنكار لما حدث. لهذا كان موقفًا دقيقًا يحتاج إلى براعة، حتى لا يعود هجاء وقطيعة، وحتى يجمع صاحبه بين الوفاء لصديقه، والانتصار لنفسه فلا يفرط في اللوم فيعود خشنًا ثقيلًا، ولا يفرِّط في الانتصاف فيعود هيِّنًا ذليلًا. ومع هذا فقد وقف كل من هؤلاء الثلاثة موقفًا أدبيًّا يدل على شخصية واضحة ممتازة.

١- فأما أبو تمام فكان واقفًا في منتصف الطريق لم يقرب من صاحبه جدًّا ولم يبعد عنه كذلك وأخذ يعرض عليه الأمر مستأذنًا، راضيًا بما يقع، مشيرًا إلى إيثاره على سواه وهم كثير، معنيا بنفسه وبفنه يصنعه بدقة وإتقان، يوسط عقله بينه وبين صديقه. وإذا كان لا بد من ذكر ميزاته الشخصية كما تشير هذه الأبيات، فأبو تمام إنسان ذكي حذر يعتد بقلبه فيبخل به، ويؤمن بعقله فيعتمد عليه، مخلص لنفسه وفنه أكثر من عنايته بالناس، يرضى بما يكون ويقتصد في اتصاله بالحاية، قوي الطبع مؤمن بالقضاء.

٢- وأما أبو عبادة البحتري فقد تقدم إلى صاحبه يكاد يحتضنه، ويلقي بنفسه بين يديه، لولا براءته من الذنوب، واعتزازه بأن الحق في جانبه، قد


١ يريد أنهما بعيدان عنه كبعد الشيب والهرم عن الثريا وهي النجم المعروف.
٢ مقة: حب.

<<  <   >  >>