وقد وقع المتنبي في مثل ذلك، كما تشبث به المتأخرون فأفسدوا الشعر وذهبوا بروائه.
وأما البحتري وابن المعتز فقد غلب عليهما الطبع السمح، وسهولة الأسلوب وعدم الكد وراء المعاني العميقة والألفاظ الغريبة، ويتلخص أسلوبهما في السهولة وعدم الشغف بالبديع، إلا ما جاء طبيعيًّا أو خفيًّا لا يكاد يظهر، ومعنى هذا أن قيمة شعرهما قائمة، في الغالب، على جمال الأسلوب وطبيعته، وحسن التصوير الخيالي، فكانا مدرسة أخرى تقابل مدرسة أبي تمام، وقد مضت أمثلة لشعر البحتري نعيد منها هذا البيت فقط:
إذا احتربت يومًا ففاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت دموعها
لتلحظ فيه هذا التقسيم، وحسن الترتيب، والمطابقة الملائمة بين الشطرين في المعنى، وهكذا إذا عرض له البديع، ويقول عبد الله بن المعتز يصف سحابة ماطرة:
ومزنة جاد من أجفانها المطر ... فالروض منتظم والقطر منتثر
ترى مواقعها في الأرض لائحة ... مثل الدراهم تبدو ثم تستتر
فيجمع بين الاستعارة، والمطابقة والتشبيه، ومع هذا لا نرى تكلفًا ثقيلًا ولا تعمقًا عويصًا.
وبين هذين الطرفين نضع مسلم بن الوليد، فقد جمع بين الصنعة المعتدلة وتجويد الشعر والبطء في صنعته حتى سموه زهير المولدين١، واستطاع بذلك أن يفترق من أبي تمام بقرب المعاني من جهة، وبسلامه عبارته من الغريب،