للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتكلف الممقوت، ولاءم بذلك بين اللفظ والمعنى، فكان لشعره موسيقى قوية جميلة، كقوله يهجو دعبل الخزاعي:

أما الهجاء فقد عرضك دونه ... والمدح عنك كما علمت جليل

فاذهب، فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل

فقد طابق بين المدح والهجاء وبين الدقة والجلالة، وبين العز والذلة، مع جدة المعنى، وإحكام التراكيب وحسن تقسيمها، فكان بذلك من عبيد الشعر.

وأما في النثر فقد عرفت مما سبق أن هذه الصنعة البديعية فقد انتهت إلى غايتها المقبولة على يد كتاب القرن الرابع الهجري، أمثال بديع الزمان، والخوارزمي، والصاحب بن عباد، وابن العميد، هؤلاء الذين عرفوا بالسجع والجناس والطباق، واقتباس لغة الشعر أو تضمين معانيه، وقد استطاعوا لإحاطتهم اللغوية وقدرتهم الأدبية أن يجعلوا أساليبهم مقبولة ويحققوا آثار هذه الصناعة، إلا أن كثيرًا ممن خلفهم على هذا الفن -وبخاصة بعد سقوط بغداد وفي عصر المماليك- لم يظفروا بمكانة السابقين في اللغة والادب، ثم غلوا في البديع فأضافوا إلى ما سبق التورية والاستخدام والتلميح للحوادث الشهيرة، ثم التصحيف الذي كان مجال البراعة عند المتكلفين. وقد نشأ عن ذلك فساد الأساليب، وركاكتها، والتضحية بالمعاني في سبيل الألفاظ.

ويمكن إرجاع ما كان بين كتاب الصنعة، من خلاف في الأساليب إلى أصلين:

الأول:

موضوعي حين انتقل بها بعضهم من الرسائل الخاصة، والديوانية، والعامة، إلى كتب العلم أو مخاطبة الملوك في الشئون الدولية، في حين أن هاتين الناحيتين مظهر عقلي أو مصلحي يلائمه الأسلوب البسيط الواضح، ومن ذلك أن

<<  <   >  >>