١- فالوزن أخص ميزات الشعر وأبينهما في أسلوبه ويقوم على ترديد التفاعيل المؤلفة من الأسباب والأوتاد والفواصل، وعن ترديد التفاعيل تنشأ الوحدة الموسيقية للقصيدة كلها، فأبيات شوقي المذكورة آنفًا قائما على هذه التفعيلة -متفاعلن- فلما كررت ثلاث مرات كان الشطر، ولما كررت ستًّا كان البيت أو الوزن الذي يسمى في علم العروض -بحر الكامل- والقصيدة كلها من هذا الوزن.
وللشعر العربي أوزان -أو بحور- أساسية بلغ عددها ستة عشر بحرًا عدا ما استحدث من أوزان مخترعة فصيحة وعامية، منها الطويل، والبسيط، والمديد، والوافر، والهزج، والسريع والخفيف، والمجتث، والرمل، كما هو موضح في علم العروض.
وليس معنى ذلك أن النثر خال من الوزن مطلقًا، فلا نزال نحس فيه وزنًا أيضًا وإن كان أقل من وزن الشعر ظهورًا وانتظامًا، فهو في النثر مظهر لقوة العبارة وجمالها تجده في الخطابة ذات العبارة المقسمة المفصلة، وفي الوصف الرائع الرقيق والتقرير الواضح، فإذا رجعت إلى نثر شوقي مثلا في الأهرام تراءى لك هذا الوزن النثرى واضحًا في عبارته المقسمة:"ما أنت يا أهرام، أشواهق أجرام؟ أم شواهد إجرام؟ وأوضاح معالم أم أشباح مظالم؟ " فتجد شواهد إجرام على مثال شواهد إجرام وكلاهما على وزن: فواعل أفعال، وهكذا في الباقي، واقرأ هذه الأسطر لطه حسين متمثلًا معانيها بين أخذ ورد، وجذب ودفع، واستعجال وحماسة وتجد واستفزاز، تحس هذه التيارات النفسية واضحة متتابعة في موسيقى هذه العبارة:"والشعوبية، ما رأيك فيهم، وفيما يمكن أن يكون لهم من الأثر القوي في انتحال الشعر والأخبار؟ " فالكلمة الأولى تقوم وحدها مقام تفعيلة والاستفهام بعدها تفعيلة أخرى تمهيدية وليتها عبارة منسقة انتهت بهم بهذا الوقف والقافية