للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ذلك ترى مقدار ما بين الشعر والنثر من الفرق في العناية بعناصر العبارة، اكتفاء وإيجاز في الأول، وتصريح واكتمال في الثاني.

٨- لأسلوب الشعر بعد ذلك صفة خاصة هي خلاصة هذه الميزات المذكورة مع طبع الشاعر وذوقه، فهو الذي يطبع العبارة بطابع القوة، أو الجمال ويكسبه روح الشاعر وشخصيته الفنية الممتازة، وفيها يحار النقاد ويسمونها مرة عبقرية الشاعر، ومرة أخرى شيئًا يدرك ولا يمكن تعليله وتفسيره تدركه في قوة المتنبي، وجمال البحتري ورقة جرير في النسيب، وسهولة أبي العتاهية والبهاء زهير، ويكفي هنا أن أشير إلى مثل قول جرير:

بان الخليط ولو طووعت ما بانا ... وقطعوا من حِبال الوصلِ أقرانا

حي المنازل إذ لا نبتغي بدلًا ... بالدار دارًا ولا الجيران جيرانا

لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت ... أسباب دنياك من أسباب دنيانا

إن العيون التي في طرفها حور ... قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن عن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا١

وعندي أن مصدر هذه الموسيقى الرائعة الأول هو عاطفة الشاعر الرقيقة التي تبدو هنا في الأسف، والوفاء، وإدراك ما في الجمال من روعة وقوة آثار، وهذه الموسيقى النفسية هي التي استدعت هذا الوزن الغنائي وتلك القافية المطلقة، مع رقة العبارة فتنامت بذلك أسباب الجمل.


١ ص٩٥٣ ديوان حرير، مطبعة الصاوي.

<<  <   >  >>