للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فترك صرف "عامر" وهو ينصرف، ولم يجعله قبيلة لأنه وصفه فقال "ذو الطول وذو العرض" ولو كانت قبيلة لوجب أن يقول: ذات الطول وذات العرض، ولا يجوز أن يقال "إنما لم يصرفه لأنه ذهب به إلى القبيلة كما قرأ سيد القراء أبو عمرو بن العلاء "وجئتك من سَبَأَ بنَبَأ يقين" فترك صرف سَبَأ، لأنه جعله اسمًا للقبيلة حملًا على المعنى، وقال الشاعر:

[٣٢١]

من سَبَأَ الحَاضِرِينَ مأرِبَ إذ ... يبنون من دون سَيْلِهِ العَرِمَا


= قول الشاعر، وهو من شواهد النحاة:
تبين لي أن القماءة ذلة ... وأن أعزاء الرجال طيالها
والقماءة -بفتح القاف بزنة الصحابة- قصر القامة، وطيالها: أي طوالها، ويروى بالواو أيضا، ومحل الاستشهاد بالبيت ههنا قوله "عامر" فقد جاء به مرفوعًا من غير تنوين، فدلّ على أنه منعه من الصرف مع أنه ليس فيه إلا علة واحدة وهي العلمية، والكلام فيه كالكلام في الشواهد السابقة، وسنتعرض لهذا البيت مرة أخرى في شرح الشاهد ٣٢٧ الآتي:
[٣٢١] أنشد ابن منظور هذا البيت "س ب أ "من غير عزو، وأنشده مرة أخرى "ع ر م" وعزاه إلى الجعدي من غير تعيين، وهو من شواهد سيبويه "٢/ ٢٨" وعزاه الأعلم إلى النابغة الجعدي، وسبأ: اسم بلدة كانت تسكنها بلقيس صاحبة سليمان بن داود، وقيل: اسم رجل يجمع عامة قبائل اليمن، وقال الزّجّاج: سبأ هي مدينة تعرف بمأرب، من صنعاء على مسيرة ثلاث ليال، وفي القرآن الكريم: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل: ٢٢] والقراء يقرأون {مِنْ سَبَأٍ} بالجر والتنوين على أنه مصروف، وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ بالفتح من غير تنوين على أنه ممنوع من الصرف، فأما من صرفه فعلى تأويله بمذكر، وأما من لم يصرفه فعلى تأويله بمؤنث، الحاضرين: جمع حاضر وأصل الحاضر الحي العظيم، وقال ابن سيده: الحي إذا حضروا الدار التي بها مجتمعهم. وقال الشاعر:
في حاضر لجب بالليل سامره ... فيه الصواهل والرايات والعسكر
ونظيره سامر لجماعة السمار، وحاج لجماعة الحجاج، وجامل لجماعة الجمال، وأراد ههنا معنى الوصف الذي يتضمنه هذا اللفظ، ومأرب: اسم بلاد الأزد التي أخرجهم منها سيل العرم، وانتصابه على معنى "في" والعرم -بفتح العين وكسر الراء أو فتحها جمع عرمة، وهي سد يعترض به الوادي، وقيل: العرم جمع لا واحد له، وقال أبو حنيفة الدينوري: العرم هي الأحباس تبنى في أوساط الأودية. والاستشهاد بالبيت هنا في قوله: "سبأ" حيث منعه من الصرف، فجاء به مفتوحًا من غيرت تنوين، مع أنه ليس فيه إلا سبب واحد -وهو العلمية- فإنه أراد به ههنا سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومن ينسب إلى بدليل أنه وصفه بعد ذلك بقوله "الحاضرين" وبهذا استدل الكوفيون على أنه يجوز للشاعر إذا اضطر أن يمنع الاسم المنصرف من الصرف، والبصريون يتمحلون فيدعون أنه منع "سبأ" من الصرف لأنه أراد به مؤنثًا وهو القبيلة، ووصفه بالمذكر نظرًا إلى المعنى لأن القبيلة رجال أو فيهم رجال. ونقول: إنه لما جرت عادة الشعراء بأن يصرفوا "سبأ" فيجروه =

<<  <  ج: ص:  >  >>