للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يصرف "سبأ" لأنه جعله اسمًا لقبيلة حملًا على المعنى، وقال الله تعالى: {أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ} [هود: ٦٨]

فلم يصرف {ثَمُودَ} الثاني؛ لأنه جعل اسمًا للقبيلة حملًا على المعنى، ثم قال الشاعر:

[٣٢٢]

تَمُدُّ عليهم من يمين وأَشْمُلٍ ... بُحُورٌ له من عَهْدِ عَادَ وتُبّعَا

وقال الآخر:

[٣٢٣]

لو شَهْدَ عاد من زمان عَادِ ... لَابْتزَّهَا مَبَارِكَ الجِلَادِ


= بالكسرة مع التنوين نحو قول الشاعر:
أضحت ينفرها الولدان من سبإ ... كأنهم تحت دفّيها دحاريج
فإن منعها شارع من الصرف يكون قد جاء بها على خلاف المعهود من أمثاله، وهذا هو المنع من الصرف مع عدم استكمال سبب المنع، ثم إن الكوفيين لا يقولون: إنه يجوز منع المنصرف من الصرف في سعة الكلام، بل يقولون: استساغ الشعراء لأنفسهم حين الضرورة أن يمنعوا المصروف من الصرف.
[٣٢٢] أنشد ابن منظور هذا البيت "ع ود" من غير عزو، وهو من شواهد سيبويه "٢/ ٢٧" ونسبه إلى زهير، وعاد: قبيلة، وهم قوم هود عليه السلام، قال الليث: "عاد الأولى هم عاد بن عاديا بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله. وأما عاد الأخيرة فهم بنو تميم، ينزلون رمال عالج، عصوا الله فمسخوا" ا. هـ. وتبع -بضم التاء وتشديد الباء مفتوحة- واحد التبابعة وهم ملوك اليمن، سموا بذلك لأن بعضهم كان يتبع بعضا، كلما هلك واحد منهم قام مقامه آخر تابعًا له على مثل سيرته. والاستشهاد بالبيت في قوله "عاد وتبعا" حيث منعهما من الصرف مع أنه لا يوجد فيهما إلا علة واحدة وهي العلمية، وقد وردت كلمة "عاد" في القرآن الكريم عدة مرار مصروفة على الأصل، من ذلك قول الله تعالى: {وَإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} [الأعراف: ٦٥] وقوله سبحانه: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى} [النجم: ٥٠] ووردت كلمة تبع في القرآن الكريم مصروفة أيضًا، وذلك في قوله سبحانه: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: ٣٧] فمجيء هاتين الكلمتين في قول الشاعر: من عهد عاد وتبعا" غير منصرفتين: أي مجرورتين بالفتحة نيابة عن الكسرة يدل على أنه يجوز للشاعر حين يضطر أن يمنع الاسم المنصرف من الصرف، وقد حكى ابن منظور "ع ود" أنه يقال "ما أدري أي عاد هو" غير مصروف، ومعناه ما أدري أي خلق هو، وهو غريب جدًا، فإن البصريين لم يقبلوا القول بجواز منع صرف المصروف في الضرورة، والكوفيين إنما أجازوا ذلك في ضرورة الشعر، فكيف جاز في السعة ذلك؟
[٣٢٣] هذان البيتان من الرجز المشطور، وهما من شواهد سيبويه "٢/ ٢٧" ولم ينسبهما إلى قائل معين، ولا نسبهما الأعلم في شرحه، وشهد: هو هنا بفتح الشين وسكون الهاء، وأصله بكسر الهاء على مثال علم، فسكن الشاعر العين المكسورة للتخفيف، وانظر الشواهد "٧٣-٧٧" السابقة، وابتزها: سلبها، ومبارك الجلاد: وسط الحرب ومعظمها، وأصل الكلام: لابتزها من مبارك الجلاد، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى الاسم بنفسه. ومحل =

<<  <  ج: ص:  >  >>