للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من معنى إلى معنى، والتنقل من معنى إلى معنى كثير في كلامهم كما قال الشاعر:

[٣٣٠]

إن تميمًا خُلِقَتْ ملمومًا ... قومًا ترى واحدهم صِهْمِيما

فقال "خُلِقَتْ" أراد به القبيلة، ثم قال "ملموما" أراد به الحي، ثم ترك لفظ الواحد وحقق مذهب الجمع فقال "قوما ترى واحدهم صهميما" والصهميم: هو الذي لا ينثني عن مراده، لأنا نقول١: نحن لا ننكر الحمل على المعنى في كلامهم، ولا التنقل من معنى إلى معنى، ولكن الظاهر ما صرنا إليه؛ لأن الحمل على اللفظ والمعنى٢ أولى من الحمل على المعنى دون اللفظ، وجري الكلام على معنى واحد أولى من التنقل من معنى إلى معنى، فلما كان ما صرنا إلى أكثر في الاستعمال وأحسن في الكلام كان ما صرنا إليه أولى، وقال أبو دَهْبَلٍ الجمحي:

[٣٣١]

أنا أبو دهبل وَهْبٌ لِوَهَبْ ... من جُمَحٍ، والعزُّ فيهم والحَسَبْ


[٣٣٠] هذان بيتان من الرجز المشطور أنشدهما مع بيتين آخرين ابن منظور "ص هـ م" قال: "والصهميم: السيد الشريف من الناس، ومن الإبل الكريم، والصهميم: الخالص في الخير والشر، مثل الصميم، قال الجوهري: والهاء عندي زائدة وأنشد أبو عبيد للمخيس:
إن تميما خلقت ملموما ... مثل الصفا لا تشتكي الكلوما
قوما ترى واحدهم صهميما ... لا راحم الناس ولا مرحوما
قال ابن بري: صوابه أن يقول: وأنشد أبو عبيدة للمخيس الأعرجي، قال: كذا قال أبو عبيدة في كتاب المجاز في سورة الفرقان عند قوله عز وجل: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} [الفرقان: ١١] فالسعير مذكر، ثم أنثه فقال: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا} [الفرقان: ١٢] وكذلك قوله "إن تميما خلقت ملموما" فجمع وهو يريد أبا الحي، ثم قال "لا راحم الناس ولا مرحوما" قال: هذا الرجز يروى في رجز رؤبة أيضا، وقال ابن بري: وهو المشهور" ا. هـ. فالأبيات تنسب إلى المخيس الأعرجي وإلى رؤبة بن العجاج، والأشهر الأعرف أنها لرؤبة بن العجاج، والملموم: اسم المفعول من اللم وهو الجمع الكثير الشديد، وهو أيضا مصدر قولهم "لم الشيء يلمه لما" إذا جمعه وأصلحه: والصفا: جمع صفاة وهي الصخرة الملساء، والكلوم جمع كلم وهو الجرح وزنا ومعنى. ومحل الاستشهاد قولهم "خلقت ملموما" فإنه قد جاء به كما يجيء بأوصاف المؤنث، فدل بهذا على أنه يريد بتميم القبيلة، وكذلك في قوله "لا تشتكي الكلوما" ثم بعد ذلك قال "قوما ترى واحدهم صهميما" فأجرى الكلام على أنه يريد الحي، وقد سمعت في كلام أبي عبيدة ما يؤيده.
[٣٣١] أبو دهبل -بفتح الدال والباء بينهما هاء ساكنة، ويضبط بكسر الدال والباء وهو خطأ- اسمه وهب بن زمعة -بسكون الميم قبلها زاي مفتوحة- أحد بني جمح وكان رجلًا جميلًا =

<<  <  ج: ص:  >  >>