للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولا يجوز أن يقال "إنَّ نَزَالِ مبنيّ لأنه قام مقام فعل الأمر، فلو لم يكن فعل الأمر مبنيًّا وإلا لما بني ما قام مقامه" لأنا نقول: إنما بني نزال لتضمنه معنى لام الأمر، ألا ترى أن نزال اسم انْزِلْ، وأصله لتنزل، فلما تضمن معنى اللام كتضمن أين معنى حرف الاستفهام، وكما أن أين بنيت لتضمنها معنى حرف الاستفهام؛ فكذلك بنيت نزال لتضمنها معنى اللام.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه مبني على السكون لأن الأصل في الأفعال أن تكون مبنية، والأصل في البناء أن يكون على السكون، وإنما أعرب ما أعرب من الأفعال أو بني منها على فتحة لمشابهة ما بالأسماء، ولا مشابهة بوجه ما بين فعل الأمر والأسماء؛ فكان باقيًا على أصله في البناء.

ومنهم من تمسك بأن قال: الدليل على أنه مبني أنا أجمعنا على أن ما كان على وزن فَعَالِ من أسماء الأفعال -كنزال، وتراك، ومناع، ونعاء، وحذار، ونظار- مبني؛ لأنه ناب عن فعل الأمر فنزال ناب عن انزل، وتراك ناب عن اترك، ومناع ناب عن امنع، ونعاء ناب عن انع، وحذار ناب عن احذر، ونظار ناب عن انظر، قال زهير:

[٣٥٤]

ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دُعِيَتْ نَزَالِ وَلَجَّ في الذُّعْر


[٣٥٤] هذا البيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني "د ٨٨-٩٥" يمدح فيه هرم بن سنان المري، وانظر الشاهد رقم ٢٣٢ الذي مضى في المسألة ٥٤، وهو من شواهد سيبويه "٢/ ٣٧" وابن يعيش في شرح المفصل "ص٤٩٥ و٥١٤" ورضي الدين في باب أسماء الأفعال من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "٣/ ٦١" وأنشده ابن منظور "ن ز ل" معزوا إليه، وأسامة: علم جنسي على الأسد، ووقع في رواية سيبويه "ولنعم حشو الدرع أنت" يريد أنت شجاع مقدام إذا لبست الدرع فكنت حشوها واشتدت الحرب فتنادى الأبطال: نزال، وصار الناس من الذعر في مثل لجة البحر، و"نزال" اسم فعل أمر معناه انزل، ومن حقه ألا يقع في مواقع الإعراب، فلا يكون فاعلًا ولا نائب فاعل ولا مفعولا به ولا غير ذلك، وذلك بسبب أن الفعل وما كان اسمًا له لا ينبغي أن يقع هذه المواقع، إلا أنه قد يقصد لفظه على طريق الحكاية، وحينئذ يقع في مواقع الإعراب المختلفة، وقد وقع هذا اللفظ في هذا البيت نائب فاعل، وقد أنث له الفعل بالتاء ليدل على أنه مؤنث، ونظير ذلك ما ورد في قول زيد الخيل:
وقد علمت سلامة أن سيفي ... كريه كلما دعيت نزال
فقد وقع لفظ "نزال" نائب فاعل في هذا البيت وأنث له الفعل كما في البيت المستشهد به، وبني في كل من البيتين على الكسر لما سنذكره في شرح الشاهد الآتي:

<<  <  ج: ص:  >  >>