للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد "احْذَرْ" وقال رؤبة:

[٣٦٣]

نَظَارِ كي أركبها نَظَارِ

أراد "انْظُرْ" فلو لم يكن فعل الأمر مبنيًّا وإلا لما بني ما ناب مَنَابَهُ، وما ذكره الكوفيون على هذا فسنذكر فساده في الجواب عن كلماتهم في موضعه إن شاء الله تعالى.

أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن الأصل في افعل لتفعل" قلنا: لا نسلم، قولهم "كما قالوا للغائب: ليفعل" قلنا: فكان يجب أن لا يجوز حذف اللام منه، كما لا يجوز في الغائب، قولهم "إنما حذفت في الأمر للمواجهة لكثرة الاستعمال" قلنا: هذا فساد؛ لأنه لو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يختص الحذف بما يكثر استعماله دون ما يقل استعماله- نحو: احْرَنْجَمَ واعْرَنْزَمَ، واعْلَوَّطَ، واخْرَوَّطَ، واسْبَطَرَّ، واسْبَكَرَّ- وما أشبه ذلك من الأفعال؛ لأن الحذف لكثر الاستعمال إنما يختص بما يكثر في الاستعمال، ألا ترى أنهم قالوا في "لم يكن": لم يَكُ؛ فحذف النون لكثرة الاستعمال، ولم يقولوا في "لم يَصُنْ": لم يَصُ، ولا في "لم يَهُنْ": لم يَهُ، لأنه لم يكثر استعماله، وقالوا في "لم أُبَالِ": لم


= ونسبهما إليه، وحذار: اسم فعل أمر معناه احذر، واشتقاقه من الحذر، ووبار: أرض كانت من مساكن عاد بين اليمن ورمل يبرين، فلما أهلك الله عادًا صارت خرابًا لا يتقاربها أحد من الناس، ومحل الاستشهاد بالبيت قوله "حذار" وهو اسم لفعل الأمر وواقع موقعه، وكان حقه السكون لأن فعل الأمر مبني على السكون، إلا أنه حرك للتخلص من التقاء الساكنين، وخص بالكسر لأنه اسم مؤنث والكسرة والياء مما يخص به المؤنث نحو قولك "أنت تذهبين" كسرة التاء في "أنت" دالة على المؤنث والياء في "تذهبين" دالة على المؤنث، وربما نونه بعضهم كما في قول الشاعر:
حذار حذار من فوارس دارم ... أبا خالد من قبل أن تتندما
فنوّن "حذار" الثانية ولم يكن ينبغي له ذلك، غير أنه اضطر إلى ذلك ليتم به الوزن.
[٣٦٣] هذا البيت من كلام رؤبة بن العجاج، وهو من شواهد سيبويه "٢/ ٣٧" ونسبه إلى رؤبة، ووافق الأعلم على هذه النسبة. ونظار: اسم فعل أمر بمعنى انظر، أي انتظر، تقول: نظرته أنظره -من مثال نصرته أنصره- وانتظرته أنتظره، وأنظرته أنظره، كله بمعنى واحد، وقرئ في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: ١٣] بقطع الهمزة على أنه من مثال أكرم وبوصل الهمزة على أنه ثلاثي من باب نصر، وقيل في التفسير: إن المعنى على القراءتين انتظرونا، وقال عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
ومحل الاستشهاد من البيت قوله "نظار" فإنه اسم فعل أمر مبني على الكسر، والقول فيه كالقول فيما سبق من الشواهد، والعلة كالعلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>