للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَلْ؛ فحذفوا الكسرة لكثرة الاستعمال، ولم يقولوا في "لم أوَالِ": لم أوَلْ، ولا في "لم أَعَالِ": لم أَعَلْ؛ لأنه لم يكثر استعماله، وكذلك قالوا في أي شيء": أيْشٍ -بالشين معجمة- لكثرة استعماله، ولم يقولوا في "أي سَيء": أيس -بالسين غير معجمة- لقلة استعماله، وقالوا "عِمْ صباحًا" في أنعم صباحا؛ لكثرته، ولم يقولوا "عمِ ْبَالًا" في انعم بالًا؛ لقلته، وقالوا "وَيْلُمِّهِ" في: ويل أمِّهِ، ولم يقولوا في "ويلخته" في ويل أخته؛ لقلته، فلما حذفت اللام وحرف المضارعة في محل الخلاف من جميع الأفعال التي تكثر في الاستعمال والتي تقل في الاستعمال دلَّ على أن ما ادَّعَوْهُ من التعليل ليس عليه تعويل، ثم لو قدرنا أن الأصل فيه ما صرتم إليه إلا أنه قد تضمن معنى لام الأمر، فإذا تضمن معنى لام الأمر فقد تضمن معنى الحرف، وإذا تضم معنى الحرف وجب أن يكون مبنيًّا. ثم نقول إن علة وجود الإعراب في الفعل المضارع وجود حرف المضارعة، فما دام حرف المضارعة ثابتا كانت العلة ثابتة، ومادامت العلة ثابتة سليمة عن المضارعة كان حكمها ثابتًا؛ ولهذا كان قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: ١٠] معربًا، وقوله صلوات الله عليه "ولتزُرَّهُ" و"لتأخُذُوا" و"لتقومُوا" وما أشبهه معربًا لوجود حرف المضارعة، ولا خلاف في حذف حرف المضارعة في محل الخلاف، وإذا حذف حرف المضارعة -وهو علة وجود الإعراب فيه- فقد زالت العلة؛ فإذا زالت العلة زال حكمها، فوجب أن لا يكون فعل الأمر معربًا.

وأما قولهم "إن فعل النهي معرب مجزوم، فكذلك فعل الأمر؛ لأنهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره" قلنا: حمل فعل الأمر على فعل النهي في الإعراب غير مناسب؛ فإن فعل النهي في أوله حرف المضارعة الذي أوجب للفعل المشابَهَةَ بالاسم، فاستحق الإعراب، فكان معربًا وأما فعل الأمر فليس في أوله حرف المضارعة الذي يوجب للفعل المشابهة بالاسم؛ فيستحق أن لا يعرب؛ فكان باقيًا على أصله في البناء.

والذي يدل على ذلك أن لام التأكيد التي تدخل على الفعل المضارع في نحو "إن زيدا ليقوم" كما تقول "إن زيدا لقائم" لا يجوز دخولها على فعل الأمر، كما لا يصح دخولها على الفعل الماضي، وإن كان الماضي أقوى من فعل الأمر بدلالة الوصف به، والشرط به، وبنائه على حركة تشبه حركة الإعراب [و] بدليل أنه لا يلحق آخره هاء السكت، كما لا يلحق آخر الاسم المعرب، وإذا كان الماضي لا تدخله هذه اللام مع وجود شبه ما بالأسماء فلأن لا تدخل هذه اللام فعل الأمر مع عدم شبهٍ ما بالأسماء كان ذلك من طريق الأولى، وإذا ثبت أنها لا تدخله دلَّ على أنه لا مشابهة بينه وبين الاسم، وإذا لم يكن بينه وبين الاسم مشابهة كان مبنيًّا على أصله.

<<  <  ج: ص:  >  >>